«طوفان الأقصى» تنتصر..

تشرين – د. محمد سيد أحمد:
منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» وأنا متفرغ تماماً، أولاً لمتابعة الأحداث وتطوراتها على الأرض العربية الفلسطينية المحتلة، وعبر مختلف وسائل الإعلام التي تتابع الأحداث ميدانياً بما فيها وسائل إعلام العدو الصهيوني ذاته، وثانياً المشاركة في التحليل السياسي عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وعندما جاء موعد مقالي الأسبوعي وجدت نفسي في حيرة من أمري فلا بديل عن الكتابة عن المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة التي تسطّر اليوم صفحة جديدة من صفحات التاريخ والانتصار على العدو الصهيوني، في مفاجأة مدوية بكل معنى الكلمة، فقط نحن، المؤمنين بالمقاومة، من يعلم ويثق بأن المقاومة وُلدت لتبقى وتنتصر، لكن غيرنا كثير صدمته العملية خاصة المبهورين بقوة العدو فأسرعوا إلى إصدار حكم بأن العملية صناعة «إسرائيلية».
وقد كتب أحدهم: «إسرائيل قوية عسكرياً بصورة تفوق الخيال العربي، وإسرائيل أيضاً قوية في ألاعيبها السياسية بصورة تتجاوز حدود العقل العربي السياسي، ومن هذا المنطلق حدثت عملية طوفان الأقصى المملوءة بالألغاز، وقد تعودنا من إسرائيل، على مدى تاريخها، القدرة الفائقة على صناعة حدث يصعب فهم دلالاته إلا بعد سنوات، ومن ثم فإن هذه العملية المفاجئة التي تخوضها حماس ليست بعيدة عن الصراع السياسي الداخلي في إسرائيل ضد الحكومة الحالية، وأتوقع أن تكون العملية جزءاً من محاولة إسقاط شرعية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عبر تضخيم الهلع في نفوس الإسرائيليين من الفلسطينيين، وهكذا يمكن استخدام هذا الحدث ذريعة لإسقاط نتنياهو شعبياً، ومن ناحية أخرى يمكن أخذ هذه العملية ذريعة أمام الرأي العام العالمي لسحق المقاومة الفلسطينية بصورة لم يسبق لها مثيل». (انتهى الاقتباس)، وبالطبع لم أجد رداً على هذا العقل المغيّب إلا ببعض الكلمات البسيطة التي تتلخص في أن المقاومة أصبحت قوية أيضاً عسكرياً وسياسياً بصورة تفوق خيال العقل العربي الكسول، ولننتظر.
فعلى الرغم من عدم قدرتنا على المشاركة في عملية طوفان الأقصى ميدانياً إلا أن واجبنا الوطني والقومي يحتم علينا المشاركة بالكلمة، والكلمة كما قال عبد الرحمن الشرقاوي في عمله الأدبي المبدع «الحسين ثائراً»: «أتعرف ما معنى الكلمة.. الكلمة زلزلت الظالم، الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة»، لذلك سنقول الكلمة ما دامت في العمر بقية، وما دام في الجسد المنهك قلب ينبض ببطء، وفي الشرايين دماء تتدفق بصعوبة، فالقضية الفلسطينية لكل قومي عربي هي قضيتنا المركزية، وفي كل مرة ينتفض شعبنا العربي الفلسطيني البطل المرابط فوق التراب المحتل في فلسطين العربية نعاود الكتابة من جديد، ونذكّر العالم أجمع بأن ما شهدته الأرض العربية الفلسطينية واحدة من أبشع الجرائم العالمية التي ارتكبت في تاريخ البشرية، فعلى مدار التاريخ الإنساني بأكمله لم يتعرض شعب لعملية اقتلاع من أرضه ووطنه كما حدث لأبناء شعبنا العربي الفلسطيني، وتعدّ هذه الجريمة مكتملة الأركان لأنها تمت مع سبق الإصرار والترصد، حيث تم اغتصاب وطننا العربي الفلسطيني من خلال عدو صهيوني غاشم، ارتكب جريمته بشكل منظم وممنهج، حيث نشأت الفكرة الشيطانية مبكراً، ووُضعت المخططات، وتم تنفيذها عبر المراحل التاريخية المختلفة.
ويعدّ الفيلسوف والكاتب والصحفي الاشتراكي الألماني، موشي هاس، صاحب كتاب «روما وأورشليم »عام 1862، من أوائل من طرح فكرة انبعاث ما سماه «الأمة اليهودية»، لكن الفكرة دخلت حيز التنفيذ مع بداية الظهور الفعلي للحركة الصهيونية التي تم إنشاؤها على يد ثيودور هرتزل الذي كتب في يومياته عام 1895 حول موقف الحركة الصهيونية من العرب الفلسطينيين: «سنحاول نقل الشرائح الفقيرة إلى ما وراء الحدود، بهدوء ومن دون إثارة ضجة، بمنحهم عملاً في الدول التي سينقلون إليها، لكننا لن نمنحهم أي عمل في بلادنا».
وبدخول فلسطين تحت الانتداب البريطاني في عام 1920 انتقلنا إلى مرحلة جديدة من الجريمة، حيث بدأت بريطانيا بمساعدة الصهاينة من أجل التوسع في بناء المستوطنات داخل مستعمراتها، إذ ارتفعت نسبة الاستيطان وصولاً إلى «قيام» الكيان الصهيوني وتشريد الشعب العربي الفلسطيني من أرضه ووطنه.
وبدأت مرحلة جديدة في نهاية عام 1947 بموافقة بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني على قرار التقسيم 181 كشرط دولي للاعتراف بالكيان، وكان يدرك أن بقاء أقلية عربية فلسطينية في القسم الصهيوني سيتعاظم وقد يصل إلى حد التوازن الديموغرافى، فلجأت العصابات الصهيونية إلى أساليب الترويع والطرد، وارتكبت المجازر بأبشع صورها، وشردت العائلات الفلسطينية من ديارها وقراها ومدنها، واستولت على ممتلكاتها، واستوطنت أراضيها.

ومنذ إعلان قيام الكيان الغاصب وحتى اليوم يمارس العدو الصهيوني أبشع الجرائم والاعتداءات ضد شعبنا العربي الفلسطيني وعلى مدار الساعة، تحت سمع وبصر العالم أجمع وبالمخالفة للمواثيق والعهود الدولية، والعجيب والغريب أن النظام الدولي الذى وضع هذه المواثيق والعهود قد أغمض عينيه عن هذه الجريمة البشعة، بل يقف في صف المغتصب، ووصل فجوره بوصف الشعب العربي الفلسطيني المجني عليه حين يدافع عن نفسه وأرضه ووطنه بـ«الإرهابي»، وهذه إحدى أهم سمات هذا النظام العالمي الذي يكيل بأكثر من مكيال فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وكم من جرائم تُرتكب باسم حقوق الإنسان وتحت مظلة منظماته الدولية المزعومة.
ومع كل مرة ينتفض فيها شعبنا العربي الفلسطيني لا يلقى مساندة ودعماً إلا من الشرفاء في هذه الأمة، وبالطبع حين نقول الشرفاء نستثني من ذلك الخونة والعملاء، ولا يمكن أن أستثني أي مواطن عربي أغمض عينيه عن المجازر الصهيونية التي تُرتكب يومياً ضد شعبنا العربي الفلسطيني البطل، كما لا يمكن أن أستثني كل من صمت ولم يخرج اليوم لدعم المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة حتى لو بالكلمة.
اليوم ومع عملية «طوفان الأقصى» التي كشفت أن العدو الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت، يمكننا القول إن القضية الفلسطينية لن تحل عبر أي مسار للتفاوض مع العدو، والطريق الوحيد لحلها هو المقاومة، فالعدو الصهيوني لا يعترف إلا بلغة القوة، فتحرير فلسطين لن يتم إلا عبر البندقية والمدفع والصاروخ، ولنتذكر جميعاً مقولات الزعيم الخالد جمال عبد الناصر: «لا صلح.. لا اعتراف.. لا تفاوض»، و«ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة».. اللهم إنّي بلغت اللهم فاشهد.

كاتب من مصر

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار