ملف «تشرين».. ثأر الثائرين.. «طوفان» يغيّر وجه المنطقة ويبني توازنات ردع جديدة مع المحتل.. والعالم ينتظر ويترقب

تشرين – بارعة جمعة:
برّاً وبحراً وجوّاً.. كرّاً وفرّاً، معادلة القوّة والرّعب مع «إسرائيل» تغيّرت إلى الأبد.. ذاكرة جيلٍ بأكمله ستحفظ وتحتفظ بكل مشهد وتوثق بطولات أذهلت العالم، بدءاً بخيبة أمل القائد الإسرائيلي نمرود ألوني، الذي هدد بإزالة قطاع غزة من الوجود، والسير في شوارع دمشق بدبابته إن هي دعمت فلسطين، وصولاً للحظة وقوعه أسيراً بيد المقاومة، التي أطلقت جحيم الغضب والثأر لشعب كامل، لتغرق به كل شبر من الكيان الإسرائيلي.

أيمن أبو شمة: المقاومة لم تُخرج ما في جعبتها من مفاجآت بعد..

كما أنها تُجيد حرب الاستنزاف ضد كيان الاحتلال

طوفان الأقصى.. لم يكن وليد اللحظة، بل حصيلة وحدة الدم والألم والمصير، وقوّة الإرادة المغلّفة بحب الوطن والحرية، وكره الاحتلال الذي لم يتوانَ لحظة عن استفزازاته وتعدياته على حرمة الأماكن المقدسة، ليغدو اليوم بداية الحكاية لحرب طويلة الأمد، عنوانها النصر.

تكتيكات جديدة
منذ ساعات الصباح الباكر، تمكنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس من تنفيذ عملية طوفان الأقصى وقتل وأسر عشرات الجنود والمستوطنين، ليعلن بعدها الاحتلال حالة الحرب ضد قطاع غزة، الذي لم يزلْ تحت نيران القصف الذي أوقع- وفق تأكيدات الصحفي الفلسطيني في وكالة «فلسطين الآن» الإخبارية أيمن أبو شمة من غزة لـ«تشرين».. أوقع ما يزيد على 230 شهيداً و1697 جريحاً بإصابات مختلفة، وذلك ضمن حصيلة غير نهائية، ووسط قلة الموارد والمستهلكات الطبية.
توقعات بأن تستمر الحرب لعدة أيام، وهو ما يُنذر بكوارث صحيّة وارتفاع في أعداد الشهداء والجرحى وتخريب البنية التحتية للقطاع وفق أبو شمة، مطالباً الأمم المتحدة وكل أحرار العالم والشعوب الإسلامية عبر حديثه مع «تشرين» بالوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني، بإدانة جرائم الاحتلال التي تستهدف المدنيين بشكل خاص، حيث إن المقاومة لم تُخرج ما في جعبتها من مفاجآت أيضاً، مستخدمةً منذ الصباح «سرب صقر» وهي وحدة مظلية شاركت بالانقضاض من الجو على الاحتلال، كما استخدمت طائرات مسيّرة لقصف جموع الجنود والدبابات.

حطيط : تشكل الحرب بطبيعتها الاستراتيجية ونتائجها الأولية زلزالاً عنيفاً

أظهر الثغرات الأمنية في بنية كيان العدو العسكرية

الفعل الشعبي الآن هو الشّق الثاني من الوطن في الضفة الغربية، التي خرجت في مسيرات دعماً للقطاع، إلا أن هذه الجولة من الحرب ستطول لعدة أسابيع برأي الصحفي أبو شمة، فصورة الاحتلال التي اهتزت على يد المقاومة تحتاج ترميماً من قبله، إلا أن الأولى -أي المقاومة- تجيد حرب الاستنزاف ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولكن لنقف وننتظر، وسنرى الأيام القادمة فهي كاشفة.

عمليّة نوعيّة
تشكل بطبيعتها الاستراتيجية ونتائجها الأولية زلزالاً عنيفاً يضرب كيان العدو، ويظهر الثغرات الأمنية في بنيته الأمنية والعسكرية، رؤية جسدت ملامح الانتصار للمقاومة، التي أظهرت التزاماً بالعمل المقاوم البعيد عن التسويات وفق توصيف الباحث السياسي والاستراتيجي الدكتور أمين حطيط من لبنان، في حين اتضح في الجانب العسكري المتعلق بالعدو أن ثمة نقاطاً أظهرت إخفاقاته في الميدان، تبدأ بالإخفاق الاستخباراتي، البنيوي الدفاعي، وتنتهي بالهبوط والانحدار المعنوي، والوهن بين المستوطنين والقوات العسكرية الإسرائيلية، وهي دلالات مستقبلية ينبغي التوقف عندها برأيه.
قبل الحديث عن مستقبل الصّراع، لا بد من الوقوف والتطرق أولاً لقدرة المقاومة على التخطيط وممارسة العمل الاستخباراتي الدقيق، ما مكّنها من الاطلاع على تفاصيل المشهد في غلاف غزة وفق رؤية الباحث حطيط ، حيث استطاعت من خلال التخطيط العلمي والمنهجي من التنفيذ بشكل متقن ومحكم، والأهم من كل ذلك أنها استطاعت تنفيذ عملية منسقة والهجوم على 50 جهة، ما أحدث صدمة للعدو لدرجة عدم قدرته على اتخاذ قرار فوري لحين مرور زمن لـ10 ساعات، نعم هي صدمة لن يخرج منها بسهولة.

د. هويدي: ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله.. فالمنطقة ذاهبة إلى التصعيد بعد سقوط هيبة كيان العدو

ما يحمله المستقبل هو عينة نموذجية لعمليات الحرب الشاملة التي ستنتهي بالتحرير لا محالة، وفي هذه العملية مفاهيم بين العرب والصهاينة قد كُسرت برأي الباحث حطيط ، تقوم بشكل رئيس على عادة «إسرائيل» بأن تكون هي المُبادِرَة والمتحكمة بمجريات الحرب، وهو ما انتهى اليوم، مع تراجع الإحاطة والاهتمام بالإسرائيلي نفسه، عبر إذلاله وقتله وجرحه ضمن إحصائيات قاربت الـ1200، وهو رقم لم تعتده مجريات الحرب مع الصهاينة، بينما فقدانها اليوم لمفهوم الهيبة والردع يعد بمثابة انهيار كامل لها، ما يقودنا للقول – والحديث للباحث حطيط- إن مقولة قوة الجيش الذي لا يقهر قد اضمحلت، لا بل فقد الثقة وتردت معنوياته للمستقبل… ويضيف حطيط: هنا نقول إن هناك نصراً كبيراً حققته المقاومة، سيبدل مفاهيم الشرق الأوسط، ولن ينحصر بـ «إسرائيل» ، بل سيمتد إلى كل دول المنطقة، بكل مكوناتها وبشكل مؤكد.

متغيّرات إقليمية
ما حدث كان مفاجئاً للجميع، حالة من التنظيم والتنسيق على أعلى المستويات، تشير حتماً إلى قوة المقاومة، نتيجة حتميّة تؤكد أن ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله وفق توصيف المحلل السياسي محمد هويدي للمشهد الميداني، فالمتغيّرات حقيقة كبيرة على الساحة الإقليمية، من فلسطين المحتلة، مروراً بلبنان، انتهاء بالعراق، فما كنا نتحدث عنه من مخططات أمريكية بنقل المعركة «من شرق الفرات لغربه» وصولاً لقاعدة التنف، والحديث عن إقليم بالجنوب السوري باستخدام بعض الأدوات في السويداء، ومن ثم المفاجأة بانتقال المعركة إلى قلب «إسرائيل» يثبت بأن هنالك تطوراً خطيراً، ربما يأخذ بالتطورات باتجاه حرب إقليمية، لكون الكيان الصهيوني يصعد وبشكل عشوائي ضد أهداف مدنية داخل غزّة.

د. الموسوي: لا يمكننا فصل ساحات الصراع عن بعضها.. والخشية في «إسرائيل»

وأميركا أيضاً من أي رد فعل يُدخل كامل محور المقاومة ضمن «طوفان الأقصى»

حقيقة أن المنطقة ذاهبة للتصعيد بعد سقوط هيبة الكيان الإسرائيلي والقبة الحديدية التي تغنّى بها بعد خلط الأوراق، ومن ثم فشل الاحتلال بضبط الأوضاع، يؤكد خيار التصعيد وفق هويدي، الذي من المحتمل انتقاله للدول المجاورة أيضاً، باعتبار أنه لم يعد بإمكان الاستخبارات الإسرائيلية إدراك مصدر الصفعة وكيف تم التحضير لها ومن يقف خلفها، فالاتهامات ليست لحماس فقط ، بل لمحور بأكمله.
وحدة الساحات ووحدة المصير والترتيب العالي والتنسيق بين محور المقاومة بكافة أطيافه، عدا عن كون العملية هي الرد على انتهاكات وعربدة أمريكا في فلسطين وسورية، ستعيد قواعد الاشتباك إلى طبيعتها وأهبة الاستعداد للمقاومة، لتلقين الاحتلال درساً لن ينساه، وتذكيره بأن المقاومة أثبتت أنها الصخرة التي تتحطم عليها مشاريع الإمبريالية والصهيونية.
الكيان الإسرائيلي ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية يدركان بأن أي تغيير لقواعد الاشتباك بالمنطقة سيغيّر كامل قواعد اللعبة، كما أنه ليس بمقدورها تحمل هذه التكلفة، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك استبعد المحلل السياسي محمد هويدي أن يكون هذا التوقيت هو نهاية الكيان الإسرائيلي، مؤكداً أيضاً احتمالات استهداف لبنان وسورية في الأيام القادمة، ما يدفع المقاومة اللبنانية للتدخل بالحرب التي ستكون وفق تقديره الشخصي طويلة الأمد، ولاسيّما أن الأمريكي سيتدخل بعد إدانته للعمل المقاوم، ولكيلا نرفع سقف التفاؤل كثيراً، يعود المحلل السياسي محمد هويدي ليؤكد بأن «إسرائيل» ستسعى لتصدير هذه الأزمة للخارج، لإيجاد مسوغات الهزيمة التي مُنيت بها.

ضربة استباقية
أهم ما أنجزته هذه العملية هو إعادة تغيير قواعد الاشتباك والتوازنات في المنطقة، التي تغيّرت بشكل جذري بين محور المقاومة و«إسرائيل» مشهد لخص من خلاله المحلل السياسي حسين الموسوي من لبنان مجموعة عوامل أهمها صعوبة ربط العملية بالهجوم الإرهابي على الكلية الحربية بحمص، الذي تم بتقنيات معقدة لا تمتلكها إلا قوى معينة، والذي كان له الدور الأكبر في تسريع عملية طوفان الأقصى، الذي مثّل نموذجاً مصغراً لما سيحدث في حال تجاوزت «إسرائيل» الخطوط الحمراء مع المقاومة، حيث إن فصل الساحات عن بعضها ليس صحيحاً برأي الموسوي، وما حدث بسورية كان الوقود لها.

د. درويش: الطوفان يمتد ويتوسع والعمليات القادمة متتالية وسط توقعات

بعدم إتمام كيان العدو عامه الثمانين

الحسم بهذا الموضوع غير ممكن، كما يتوقف على ردة فعل «إسرائيل» على الصفعة التي تلقتها، لتبقى أي ضربة منها، تُدخل المحور ضمن الحرب، لنجد بالوقت ذاته أن أميركا لن تعطي «إسرائيل» الضوء الأخضر لأي عملية برية على قطاع غزة، تفادياً لامتداد المعركة للأطراف كافة، حيث إن التنسيق لحظي بين أطراف المقاومة، بل ستغض الطرف عنها أسبوعاً برأي المحلل السياسي حسين الموسوي، أما المقاومة فستكمل أداءها والأغلب أن المعادلة سترسو على مجموعة نتائج منها عدم انتهاك السيادة السورية، التي ستشمل أي تسوية.
وعلى الرغم من كل ذلك، نجد بأن رئيس الكيان الصهيوني يناشد أمريكا والبنتاغون لفتح مستودعات الأسلحة لدعم كيانه المحتل، وهو ما أثبت بأنه أوهن من بيت العنكبوت وفق قراءة الأستاذ في القانون الدولي جامعة دمشق الدكتور أوس درويش للمشهد، فالطوفان يمتد ويتوسع، والعمليات القادمة متتالية، ما يجعل الكيان الصهيوني القائم على استقدام مستوطنين من مختلف أصقاع الأرض مهزوماً، فاقداً للأمان، وهو ما سيفرغه من مضمونه لعدم ثقة المستوطنين ممن لاذوا بالفرار بقدرته على حمايتهم.
سابقاً، تعرض الكيان نفسه للانهيار، وسط موجات الرفض من قبل أكثر من 30 ألف مستوطن و1200 طيار رفضوا الالتحاق بالخدمة لديه، وهو دليل التخبط داخلياً، هي عوامل تعجّل من نهاية الكيان الإسرائيلي، وسط توقعات من قادته بزواله قبل إتمامه عامه الثمانين حسب تأكيدات د. درويش، وعملية 7 تشرين الأول الجاري تؤكد المقولة إلى جانب العمليات الأخرى، فالنصر سيكون تاريخياً وبتوقيع المقاومة.

تحوُّل استراتيجي عميق
الأحداث الأسطورية التي رسمها رجال المقاومة الفلسطينية تؤكد أن المقاومة بجسدها العسكري تتمتع بقوة إضافية ولياقة عالية وحيوية مستمرة برأي الخبير العسكري وفيق نصور، يُضاف إلى ذلك الخبرة الكبيرة بالتعامل مع الأحداث والمسائل ضمن مهلة زمنية وإمساك زمام المبادرة وتحقيق عنصر المفاجأة للعدو أيضاً، هنا لا بد من الإشارة وفق نصور لاختلاف القراءة لجهة المتغيّر العسكري النوعي لتكتيك العمل المقاوم، وبين القراءة السياسية التي يجب أن نتبصر من خلالها التحوّل العميق في التهيئة السياسية لظروف القادم من الأيام.

الخبير نصور: يجب أن ننطلق من الربط الاستراتيجي في المراحل الزمنية

للصراع مع كيان الاحتلال والتناغم بين الفعل ورد الفعل في الجبهات المشتركة

الارتباك والضياع الذي أصاب المنظومة الصهيونية يعطي دلالات جديدة وحديثة على الوهم الذي داهم وسيطر على عقول كثير من العرب، بأنها قوة وحصن منيع لا يمكن اقتحامه، كما أن القراءة السياسية للخبير نصور تثبت بالرسم والتحليل والاقتباس بأن المعادلة قائمة بين خطين متوازيين، الأول هو الفعل الذي قامت به المقاومة، والثاني رد الفعل الصهيوني والجديد في الرد، بينما يبقى الفهم العميق للقيادات الفلسطينية المقاومة لطبيعة مزاج الجبهة الداخلية الإسرائيلية وتأثيراتها على صناعة القرار الصهيوني، ومعرفة حقيقة أن «إسرائيل» ترتعد بجبهتها الداخلية هو الورقة الاستراتيجية في اتجاهات العمل العسكري المقاوم برأي الخبير العسكري وفيق نصور، وهو ما شاهدناه في حسابات القادة المقاومين من الاقتحام والرسملة على الاهتزاز الذي حدث للجبهة الداخلية للعدو.
ويضيف الخبير نصور: ضمن قراءات مختلفة ومتعددة في أحداث هذا اليوم الفلسطيني بامتياز، يجب أن ننطلق من الربط الاستراتيجي في المراحل الزمنية للصراع مع هذا الكيان، والتي تعطينا التناغم والتأثير بالفعل ورد الفعل بين الجبهات المشتركة بالغدر الواحد على مساحة الإقليم والتداعيات المتبادلة بتأثيراتها ونتائجها.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. جيش الاحتلال الذي اختفى كأنه لم يكن.. «طوفان» المقاومة الفلسطينية يشلّ استراتيجياً قدرة العدو على الفعل و«رد الفعل»

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار