أُسر «تقلب الطاولة» على المستقبل التعليمي لأبنائها.. تزايد أعداد المتسربين من المدارس وسوق العمل وجهة الباحثين عن مخرج
تشرين- بشرى سمير:
الارتفاع الكبير في أسعار القرطاسية والملابس المدرسية والحقائب كسر حالة التردد التي كانت تعتري العديد من الأسر السورية، التي كانت تراودها أفكار لزج أولادها في سوق العمل وترك المدرسة، من أجل المساعدة في تأمين المعيشة نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة.
وبكثير من الصراحة وقليل من التردد، تتحدث السيدة غادة قارووط لـ«تشرين» عن أولادها الأربعة في مراحل تعليمية مختلفة، مؤكدةً أن ليست لديها القدرة المادية على تأمين احتياجاتهم من لباس مدرسي ومستلزمات استئناف السنة الدراسية، حيث وصل سعر «المريول» المدرسي نخب ثانٍ إلى 50 ألفاً، أما «بدلة» المرحلة الإعدادية فقد وصل سعرها إلى 150 ألفاً والثانوية إلى 200 ألف، ناهيك بسعر الحقيبة المدرسية التي وصلت إلى 100 ألف في حدها الأدنى، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأقلام والدفاتر وكل هذا بات من الصعب تأمينه في ظل الغلاء الفاحش، لذلك تقول إنها تسعى لتأمين عمل لأبنائها الكبار من أجل مساعدتها في تعليم إخوتهم الصغار، مكتفية بحصول أولادها الكبار على الشهادة الإعدادية، إذ ليست لديها القدرة المادية على تعليم الجميع.
ارتفاع تكاليف العودة إلى المدارس يزيد نسبة التسرب واحتمال تراجع مجانية التعليم
وتشاركها الرأي المواطنة نور عثمان، التي تشير إلى أنها قررت تزويج ابنتها الطالبة في المرحلة الثانوية من أجل توفير مصاريف دراستها لمصلحة إخوتها الأصغر سناً، بما أن الظروف المعيشية أصبحت ضاغطة جداً، ولا يمكن العيش مع استمرار الأولاد في المدارس والجامعات.
تكاليف عالية
ولم تخف الباحثة التربوية سوسن السهلي قلقها من أن ارتفاع أسعار التعليم وتكاليف العودة إلى المدرسة من رسوم وقرطاسية ولباس يعزّزان المخاوف من توسّع التسرّب المدرسي والاتجاه إلى سوق العمل، أو التشرد في الشوارع والتسول، الأمر الذي يرهق الأسر على الرغم من مجانية التعليم في القطاع الحكومي، لكن إذا استمرت الظروف بهذا الشكل فمن المتوقع التراجع عن مجانية التعليم، وخاصة مع عدم توفر الورق وارتفاع أسعار طباعة الكتب ووسائل الإيضاح.
مجانية التعليم
وتذهب المدرّسة عبير منصور، إلى ما يعزز الشواهد على وقائع صعبة، وتلفت إلى أن هناك العديد من المستلزمات التي تحتاجها العملية التدريسية والتي نضطر لجلبها على حسابنا الخاص، لافتة إلى أن هناك جزءاً من خدمات التعليم تتحمله الأسر تحت مسمى نشاط مدرسي، إضافة إلى ما تتحمله من رسوم وقرطاسية وأجور وسائل النقل.
بينما أشار المدرس محمد الخالدي إلى أن التعليم بدأ يتراجع في سورية خلال سنوات الحرب بسبب تسرب المدرسين وارتفاع الأسعار، وأن التعليم في شكله الخارجي مازال مجانياً، لكن الحقيقة تقول عكس ذلك تماماً، حيث لا يدفع الطلاب في المدارس الحكومية مبالغ مرتفعة إلا أنهم يضطرون لدفع هذه الرسوم على دفعات كأقساط لدروس خصوصية، نظراً لتدني مستوى أداء بعض المدرسين وعدم توفر وسائل الإيضاح وشراء كتب مدرسية بدلاً من الكتب التالفة التي تسلمها المدارس للطلاب سنوياً بشكل مجاني.
ولفت إلى أن القانون أقر إلزامية التعليم ومجانيته، حيث ألزم كل ولي أمر طفل من سن روضة الأطفال، وحتى من مرحلة التعليم الأساسي إلى التاسع الأساسي، بتعليم ابنه في إطار تعليمي مناسب، وإلا يتم الحكم عليه بالسجن أو الغرامة، لكن تعد مرحلة رياض الأطفال مرحلة تعليم غير إلزامية مدتها من سنتين إلى ثلاث، حسب المنهج المتبع في كل روضة (حضانة – تحضيري)، أما مرحلة التعليم هي مرحلة تعليم إجباري وإلزامي ومجاني، وحق لكل طفل بلغ السادسة، وتقسم إلى حلقة أولى من الصف الأول وإلى الصف السادس. ويتعلم فيها الطفل الكتابة والإملاء والحساب ومبادئ العلوم الطبيعية والجغرافيا والتاريخ واللغة الإنكليزية.
وهناك حلقة ثانية من الصف السابع إلى الصف التاسع، وفيها يتابع الطفل التعلم بشكل موسّع، ومن الصف السابع يتعلم لغة أجنبية ثانية إما الفرنسية أو الروسية.
أما بالنسبة للمرحلة الثانوية فهي مرحلة تعليم غير إلزامية لكنها مجانية، من الصف العاشر حتى البكالوريا.
«التربية»: نسبة التسرب المدرسي في مرحلة التعليم الإلزامي وصلت العام الماضي إلى 22 بالمئة
أرقام
وزارة التربية كانت قد أعلنت أن نسبة التسرب المدرسي في مرحلة التعليم الإلزامي وصلت العام الماضي إلى 22 بالمئة من إجمالي عدد التلاميذ، بزيادة نحو 50 في المئة عن العام الذي سبقه، حيث بلغت نسبة التسرب آنذاك، حسب الأرقام الرسمية 12 بالمئة، وسعياً للحد من التسرب عملت الوزارة العام المنصرم على اتخاذ عدد من الإجراءات، منها اختصار كل سنتين بسنة واحدة وتقديم سلة غذائية شهرية بنحو 75 ألف ليرة وذلك بهدف إعادة نحو مليون متسرب إلى مقاعد الدراسة، لكنها في الواقع لم تستطع إعادة سوى 160 ألف تلميذ، وبينما قدر عدد المتسربين من المدارس خلال فترة الحرب بأكثر من مليون ومئة ألف متسرب، علماً أن أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) تشير إلى وجود أكثر من 2.4 مليون طفل سوري غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40 في المئة من الإناث.