تهاوي القدرة الشرائيّة وتوحّش الأسعار
سبعُ سنوات عجاف تعكس الواقعَ الاقتصاديّ الذي يضغط على الأسرة السوريّة المحدودة الدخل؛ أي التي تتقاضى راتباً محدداً من العمل في القطاع العام الحكوميّ وبعض جهات القطاع الخاص التي تستغل رخص اليد العاملة وكثرة البطالة، وتبدو المعادلة واضحةً مابين علاقة التضخم بتدهور القوة الشرائية للمواطنين، ونقدم الحالة السورية أنموذجاً عملياً راهناً بشأن العواقب السلبيّة لتخبّط الجهات المعنيّة بالرقابة والتسعير وحماية المستهلك في التحكم بالأسعار.
وفي الأسواق، يمكن ملاحظة أن موجة التضخّم تعود في جزء مهمّ منها إلى أسباب يتعلق بعضها بالحرب على سورية والعقوبات والضغط باتجاه عزل الاقتصاد السوري ، والبعض الآخر يرجع لفشل الإجراءات والقرارات الاقتصادية؛ لكن أهمّ الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار يكمن في التدهور المستمر لقيمة الليرة السوريّة أمام الدولار الأميركيّ وبقية العملات الدوليّة، وتراجع الاحتياطيّ النقدي لصعوبات تتعلق بالإنتاج والتصدير وسرقة أهمّ آبار النفط والثروات بيد الاحتلال الأمريكي . وينعكس تراجع سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية سلباً على الأسعار في السوق المحليّة؛ إذ يؤدي إلى غلاء أسعار السلع المستوردة على نحوٍ مباشر، كما ترتفع أسعار السلع المصنّعة محلياً التي تستعمل مدخلات مستوردة في إنتاجها: «مواد أولية، سلع وسيطة، تجهيزات وغيرها».
كما ساهم بعضُ القرارات بشأن رفع تعرفة المشتقات النفطيّة وتقنين الكهرباء في تسريع وتيرة التضخّم؛ إذ عرفت أسعار المشتقات النفطيّة ارتفاعات بنسبٍ متفاوتة حسب المدعوم والحر والصناعيّ .
أضف إلى ذلك، أن الطاقة الكهربائيّة تعدّ أحد مدخلات الإنتاج الرئيسة والضرورية في صناعة العديد من السلع، وتؤثر تكلفتها على نحوٍ واضح في السعر النهائي لهذه السلع؛ وتالياً يؤثّر قرار التقنين الكهربائي واستخدام الطاقات البديلة في أسعار السلع المستهلكة.
وعلى الرغم من الزيادة الأخيرة على الرواتب والأجور بنسبة 100% فإنّ«القدرة الشرائية» لأغلبية الموظفين لم تتحسّن باستثناء مَن صدرت مراسيمُ وقرارات بمنحهم تعويض طبيعة عمل، كالأطباء والمهندسين والهيئة التدريسية ، فضلاً عن تفشي البطالة، واستثناء من يعملون في المهن الحرة؛ إذ يتم رفع الأسعار مباشرةً مع أي إشارة، وأحياناً من دون إشارة، فتجد «البسطات» والمحالّ والمخازن، كلّ يبيع حسب تقديراته الخاصة من دون وازعٍ أو ضميرٍ .
ويبدو أن «القدرة الشرائيّة» للمواطنين السوريين لا تزال تتراجع مع ارتفاع معدل التضخم في البلاد وانخفاض قيمة العملة المحليّة، ما يزيد الضغوط على العائلة ، مع ارتفاع أسعار «القرطاسية» وأجور النقل والمستلزمات الدراسية من كتب وغيرها .
وتُعرف «القدرة الشرائيّة» أو «القوة الشرائيّة» بأنّها عدد السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بوحدة نقديّة من عملةٍ معينة.
وترتبط «القدرة الشرائيّة» للمواطنين بسعر صرف العملة ومعدّل التضخم في البلاد؛ فكلما ارتفع معدل التضخّم، قلّ عدد السلع والخدمات التي يمكن أن تشتريها الوحدة النقدية من العملة، وكلما ارتفع سعر العملة، زادت القدرة الشرائيّة، والعكس بالعكس.
وتعكس «القدرةُ الشرائيّة» مدى قدرة الأفراد على الحصول على حاجاتهم، فهي تُعد مقياساً لمستوى معيشة الفرد ورفاهيته.
ويحدّد «القدرة الشرائيّة» للأفراد نصيبُ الفرد من إجمالي الدخل المُتاح داخل البلد، كالأجور والفوائد والأرباح، إضافةً إلى المستوى العام للأسعار.