خطوة واحدة على الأقل
الفكر الإنساني بصيص من النور الإلهي على الوجود، والمفكرون مصابيحه ينعكس نورها منهم على الحياة، فمتى نبذر للمفكرين أجود البذور ونعتني بتربتهم لتثمر غراساً في حياتنا كأجمل الإبداع؟
«حوارات بريد السماء» كتاب صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب لا يملك من يقرؤه إلّا أن يتفق مع الكاتب أن من يمتلك عبقرية لا يمكن أن ينتهي مع مراسم التشييع إلى مثواه الأخير ! فمازال في جعبته ما يستحق فتح حوار معه عبر بريد السماء.. هذه الفكرة الجميلة للكاتب أسعد الجبوري يخاطب بها الشعراء والأدباء متخيلاً ما قد تكون عليه حالهم ويستعرض أهم ما جاء في فلسفتهم بقالب جديد وشائق، ويمكن عدّ هذه الحوارات الثقافية والاجتماعية والأدبية بمنزلة فتح ثقافي جديد مع شعراء نائمين في غرف الغيب والتي تجعلنا نتواصل مع قامات أحدثت فرقاً في حياة البشر الفكرية حيث يغوص المبدع الشاعر والروائي العراقي الجبوري في كتابه في أعماق شخصياته الأدبية التي يجري معها سلسلة حواراته الافتراضية هذه، ويشتغل فيها كناقد وباحث اجتماع أدبي ومحلل نفسي مرة واحدة، وهي طريقة مبتكرة وتنطوي على دلالات وكشوفات تفوق عشرات الدراسات التقليدية التي كتبت عن المبدعين من أمثال أمل دنقل والجواهري ونزار قباني وهوميروس ومحمود درويش و توماس ستيرانز وإليوت وفلادمير ماياكوفسكي وأبي الطيب المتنبي وشارل بودلير وغيرهم , وهذه الحوارات العبقرية ليست بالجديدة، فـ«رسائل الغفران» وهي إحدى روائع الأدب العربي في العصر العباسي، كتبها أبو العلاء المعري يصف فيها رحلة بطل الرسالة وهو ابن القارح، بين الجحيم والجنة، فكان يتنقل ليرى مراتب الشعراء بأسلوب السخرية، التي اختلط فيها الديني الغيبي بما هو دنيوي واقعي وبما هو خيالي، وقد رأى كثير من النقاد أن الكاتب الغربي دانتي الألجيري تأثر به كثيراً في كتابه «الكوميديا الإلهية» التي بطلها الشاعر الروماني فيرجيل، حيث تبدأ من الجحيم في حين أن رسالة الغفران تبدأ في الجنة.