الفجوة الباردة..؟!

مازالت تركيا تضرب المواعيد انتظاراً لزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من دون أن تستطيع تحديد يوم بعينه، قد يكون أواخر آب الجاري أو أوائل أيلول المقبل، لكن لا موعد محدداً، فيما الكرملين ما زال يمتنع عن الكلام المباح قبل أن يأتي الصباح بما يحمله من «تنازلات» أو عودة عن الاستدارة التركية الأخيرة التي أقدم عليها رئيس النظام التركي رجب أردوغان خلال قمة الناتو في فيلنيوس/ ليتوانيا في 11 تموز الماضي.
وحتى يأتي هذا الصباح يكاد نظام أردوغان يستنفد كامل طاقته في مسألة تحقيق هذه الزيارة وسط كل ما يُقال عن «فجوة باردة» استقرت فيها العلاقات الروسية – التركية.. وهناك من يتحدث عن أن أردوغان قد يُضطر لزيارة موسكو طلباً للقاء بوتين.
نظام أردوغان نفى ما يُقال متذرعاً بأن الأوضاع في روسيا هي من يُؤخر اللقاء، علماً أنه لم يتغير هذا الوضع فعلياً منذ انطلاق العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا في شباط 2022. هذه العملية التي اتخذتها تركيا جسراً للوصول بالعلاقات مع روسيا إلى مرحلة التحالف في استدارة سابقة نفذها أردوغان قبل استدارته الجديدة التي جاءت في كل مستوياتها ضد المصالح الروسية، خدمة للمصالح الغربية – الأميركية، وفي قضايا عدة إقليمية (سورية) ودولية (صفقة الحبوب وتوسعة الناتو والتعاون العسكري).. وغير ذلك.
مع ذلك، لا يمكن القول إن هذا اللقاء لن يجري (علماً أن لمكان اللقاء دلالته)، لكن لا بأس أن ينتظر نظام أردوغان وقتاً إضافياً، فهذا كفيل بمحاصرته ووضعه في موقف الأضعف، أي موقف المُدان بمواجهة روسيا والرئيس بوتين.
«اللقاء لن يكون هيناً»، حسب وصف الإعلام الروسي، وهذا لا يعود إلى القضايا التي ستطرح على طاولة اللقاء، بل يعود إلى الشرخ في جدار الثقة الذي شقه أردوغان بيديه وعن سابق إصرار، من دون أن يَرّف له جفن، متوهماً بأنه عندما يعود من فيلنيوس سيكون قادراً بالتأكيد على ترميم هذا الشرخ، لكنه حتى الآن لم يستطع ذلك.
القضايا على طاولة بوتين – أردوغان ليست جديدة، إذا ما اعتبرنا أن على رأسها «صفقة الحبوب» أو الميدان السوري، وسبق أن كان هناك توافقات وتفاهمات، وليس من الصعوبة تجديدها، لكن استدارة أردوغان الأخيرة ربما حولت هذه الصعوبة إلى استحالة، إذا ما عجز عن ترميم ذلك الشرخ الذي يبدو أعمق وأوسع مما اعتقده أردوغان.
وأياً يكن من أمر اللقاء، سواء حدث في الأيام المقبلة أو تم ترحيله إلى وقت أبعد، فإنه لا مجال للحديث عن قطع للعلاقات أو تجميدها أو إبقائها فاترة لفترة طويلة، إذ إن ما بين البلدين مصالح كثيرة، وقضايا بينية وإقليمية ودولية تستدعي استمرار التعاون والمحافظة على علاقات جيدة، وهذا ما يستغله أردوغان، ويتوهم بأنه يستطيع ليَّ ذراع روسيا، لكن الوقائع المقبلة- ما قبل اللقاء مع بوتين- ستثبت له العكس، ولا نعتقد أننا سننتظر طويلاً لكي نسمع ونرى.. ونحكم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار