الاقتصاد الإفريقي وتنافس الدول الكبرى وقمة «بريكس» القادمة
تشهد أغلب دول القارة الإفريقية السمراء اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية وليس آخرها في دولة (النيجر)، وسبقتها مالي وبوركينا فاسو، ما يدلّ على أن أغلب الدول الإفريقية تريد التخلص من السيطرة الأطلسية (الأوروبية والأمريكية) وهذه ذات تاريخ استعماري سيئ، وبدأت النخب الثقافية الإفريقية على مختلف مشاربها تذكر بذلك بين فترة وأخرى، وحالياً يتم الاستعداد في دولة جنوب إفريقيا التي تترأس مجموعة البريكس من تاريخ 1 /1/2023، والتي ستعقد قمتها خلال الشهر الحالي ومن المتوقع بين 22و24/8/2023، وجنوب إفريقيا من الدول المؤسسة مع الأربع الأخرى في المجموعة أي (روسيا والصين والهند والبرازيل)، فهل سنشهد تسخيناً مصطنعاً في القارة السمراء الغنية بالموارد الضرورية والنادرة والمطلوبة للدورة الاقتصادية العالمية؟، حيث تمتلك القارة الإفريقية احتياطيات كبيرة من الموارد ومنها مثلاً [ 10% من النفط العالمي والغاز – 33% من اليورانيوم اللازم للصناعة النووية وخاصة في دولة النيجر وناميبيا وجنوب إفريقيا -50% من الذهب وخاصة في جنوب إفريقيا وغانا وغينيا ومالي وتنزانيا – 40% من الإنتاج العالمي من الألماس – 80% من إنتاج البلاتين – و95% من الاحتياطي للكروم و64% من المنغنيز و40% من النحاس و35% من المياه العذبة المتجددة وفيها أكبر مساحة مزروعة من الأناناس والقهوة والكاكاو والنخيل والفول السوداني والفلفل والبطيخ والقطن ونخيل البلح والزيتون والحمضيات والخضار والأخشاب، ولها موقع جيوسياسي مهم حيث تطل على المحيطين الهندي والأطلنطي والبحر المتوسط والأحمر ونهر النيل، والبحيرات الكبرى.. إلخ.
وهذا خولها لتكون مركزاً مهماً للثروة السمكية حيث يعمل نحو /10/ ملايين إفريقي بمهنة صيد الأسماك. وتنتج بحدود /35%/ من الإنتاج العالمي من السمك، و تؤكد المعلومات أنه يوجد لديها /3000/ نوع من الأسماك… إلخ ]، فهل ستسمح الدول الأطلسية بنجاح قمة بريكس القادمة؟!، وخاصة في قاطرة النمو الإفريقية دولة جنوب إفريقيا؟ ولا سيما أن قادة مجموعة البريكس أعلنوا عن تدشين عملة جديدة أو قاعدة الذهب ستكون بديلاً للدولار الأمريكي، وبالتالي تخليص العالم والقارة الإفريقية من هيمنة الدولار الذي تحول من وسيلة تداول إلى وسيلة للإرهاب الاقتصادي من عقوبات وحصار على الدول، وهو مغطى فقط بالقوة الأمريكية وليس بالذهب أو الإنتاج، وستكون هذه العملة حسب تصريح السيد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية بديلاً عن (الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي والإسترليني البريطاني). وهذه أول مرة يتم التصريح بذلك، ويساعد بذلك أن دولاً عديدة من القارة وغيرها تقدمت بطلب للانضمام إلى المجموعة ومنها السعوديّة ومِصر وإيران ونيجيريا وفنزويلا…إلخ، ونتيجة ذلك قد يتم الاستغناء عن منظومة (السويفت SWIFT) التي تتحكم أمريكا بها وهي المسؤولة عن تحويل العملات بين دول العالم، وهذا يفسر السعي والتوجهات الكبيرة لدول البريكس لشراء الذهب لتغطية عملاتها وخاصة (اليوان الصيني، والروبل الروسي)، وتؤكد المعلومات مثلاً أن الصين اشترت سنة /2022/ كمية /524/ طناً من الذهب من سويسرا بقيمة /33/ مليار دولار ومن روسيا اشترت نحو /7/ أطنان حسب مديرية الجمارك الصينية، وزاد احتياط البنك المركزي الصيني لأكثر من /2010 / أطنان، وأصبحت في المرتبة السادسة عالمياً بعد روسيا التي تمتلك /2299/ طناً، ولكن لاتزال أمريكا هي الأولى عالمياً وتمتلك /8133/ طناً، وإذا استمرت روسيا والصين وباقي دول البريكس بشراء كميات من الذهب فإنها ستتفوق قريباً على الولايات المتحدة الأمريكية وخلال فترة قليلة نعتقد أنها لن تزيد على /5/ سنوات، وهنا الخطورة الكبرى على الدولار، وكلنا نعرف أن الكثير من قيادات العالم تمت الإطاحة بهم عندما طرحوا عملة بديلة عن الدولار واشتروا كميات كبيرة من الذهب كما حصل في ليبيا منذ أكثر من /20/ سنة بالدعوة إلى اعتماد الدينار الإفريقي، لكن المعادلات الدولية تغيرت وموازين القوى اختلفت ولم تعد الإرادة والإدارة الأمريكية قدراً لا مفرّ منه، ويترافق هذا مع زيادة القوة للعملتين الروبل واليوان على الساحة العالمية، وهذا يمهد للعد التنازلي للسيطرة الغربية على النظام العالمي الجديد، ومن هنا نتفهم تصريح رئيس جنوب إفريقيا الذي يخالف به قرار محكمة الجنايات الدولية وقال: إن قمة بريكس ستعقد بحضور شخصي، وسيشارك فيها جميع رؤساء الدول الخمس الأعضاء فى المنظمة، وفي هذا إشارة واضحة لحضور الرئيس فلاديمير بوتين ومنحه (الحصانة الدبلوماسية)، علماً أن الجانب الروسي لم يعلن حتى الآن هل سيحضر الرئيس بوتين شخصياً أم سيرسل من يمثله، فالأيام القليلة القادمة ستوضح ذلك، فهل ستمر قمة البريكس بخير وهي تزداد قوة يوماً بعد يوم، وقد تجاوزت في القوة الاقتصادية سنة 2022 مجموعة السبع الصناعية التي تضم كلاً من أمريكا وكندا
وفرنسا وبريطانيا وألمانيا واليابان وإيطاليا، وأن البريكس حققت أرقاماً قياسية في الاقتصاد العالمي فهي تضم أكثر من 40% من سكـان العالـم، و 30٪ مـن مساحــة اليابـسـة، و18٪ من التجارة العالمية، و25٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ووصلت مساهمتهم الجماعية في النمو الاقتصادي العالمي على مدى العقد الماضي إلى ما يقرب من 50 ٪، ما يجعل البريكس قوة رائدة في التنمية الاقتصادية العالمية. وتعرف الدول الإفريقية أن المجموعة تختلف عن القوى الغربية من خلال دعوتها إلى قيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب على أسس العدالة وسيادة القانون الدولي وتحقيق المساواة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والتعاون والعمل المنسق واتخاذ القرارات الجماعية لجميع الدول، ولها وجود كبير في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. والعالم كله يتذكر مساهمة البريكس في مواجهة كورونا بعكس الدول الأطلسية التي عبرت عن أنانيتها وعدم قدرتها ورغبتها في مساعدة دول الجنوب الفقيرة، وها هي ستعقد قمتها تحت عنوان “بريكس وإفريقيا”: شراكة من أجل النمو المتسارع المتبادل، والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة، وعقد القمة في جنوب إفريقيا له أهمية خاصة في هذا الوقت حيث إن جنوب إفريقيا هي عضو فاعل في عدد من المنظمات الدولية المهمة مثل الاتحاد الإفريقي AU ومجموعة السبع والسبعين G77 والصين وحركة عدم الانحياز NAM، وهي الدولة الإفريقية الوحيدة في مجموعة العشرين G20 وفي اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) والتي تعتبر أكبر منطقة تجارة حرة في العالم بين /55/ دولة تضم /1،3/ مليار نسمة وبناتج محلي إجمالي بحدود /4/ تريليونات دولار، وكل هذا يدفعنا للقول إن ما بعد قمة بريكس في جنوب إفريقيا سنة 2023 ليس كما قبلها، فهل ستتقبل الدول الغربية هذا الواقع أم ستقدم على خطوات جهنمية كما تفعل في أوكرانيا أو أكثر..؟ الأيام القادمة ستعطي الجواب..