السعودية.. إفلاس أميركي

بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية دار الزمن دورة كاملة، في العلاقة مع السعودية وبعد قرن من الزمان فقدت أميركا «جوائزها».. وعندما نتحدث عن السعودية فهذا يعني أنها فقدتها كلها، وانقلب الزمان وبدّل الأحوال والأدوار، اليوم السعودية هي من يملك «الجوائز» فيما أميركا مُجبرة على الوقوف على عتبة الباب تطلب وتنتظر، والسعودية قد تقبل وقد لا تقبل.
أما دليلنا على ذلك فهو بسيط ومرئي للجميع، إذ يكفي أن نرى كيف أن كبار المسؤولين الأميركيين يواصلون التوافد إلى السعودية لنعرف أنهم طلاّب حاجة، هم من يحتاجون السعودية، وليس العكس.. والسعودية ليست مضطرة لتقديم أي شيء لأميركا بالمجان، علماً أن أزمة الأميركيين اليوم تكمن بأنه ليس لديهم أي شيء يقدمونه للسعودية مقابل ما يطلبونه منها، هم فعلياً في حالة إفلاس، فيما السعودية غيرت المسار والنهج والتفكير لتعي إمكانيات القوة الهائلة الكامنة أو لنقل لتستعيد إمكانيات القوة الهائلة التي تمتلكها ليس فقط كقوة نفطية، بل كقوة إقليمية مؤثرة أيضاً.. وهي في المنطقة أقوى من الولايات المتحدة نفسها، ودائماً كانت كذلك، وهي اليوم عندما تعزز هذه القوة بعلاقات عالمية مع أبرز القوى الصاعدة، فإن مسألة الحاجة لأميركا تنتفي كلياً.. إذاً لنكن قطباً قائداً مادام لدينا كل الإمكانيات، لنقرر، وعندها يكون الجميع بحاجتنا وليس أميركا فقط.
وليس في هذا مبالغة، فيما المقارنة هنا مع الصين أو روسيا أو الهند أو غيرها من القوى الصاعدة، ليست في محلها تماماً، بفعل أن ما يجمع السعودية والولايات المتحدة كان أمنياً بالدرجة الأساس، وليس اقتصادياً كما هي حال هذه القوى التي يجمعها مع الولايات المتحدة اقتصاد عالمي واحد متشابك جذرياً، وبالتالي فإنه من الصعب- إن لم يكن من المستحيل- تجزئته على مستوى دول، حتى عندما أرادت هذه القوى فعل ذلك كانت تدرك مسبقاً هذه المسألة، لذلك تعتمد التجزيء على مستوى كتل/تكتلات/ في سبيل التخلص من هيمنة أميركا وتسلطها على اقتصادات الدول.
وإذا ما أردنا الدقة أكثر فإن الولايات المتحدة هي المرتبطة اقتصادياً بالسعودية ولا تستطيع الفكاك، بمعنى أن تسلطها السياسي والاقتصادي مرتبط بالسعودية التي تخلصت من عقدة أو كذبة الأمن التي مارستها أميركا حوالى قرن من الزمان، لتفرض على السعودية علاقة التابع.
لذلك عندما يتحدث المسؤولون الأميركيون اليوم عن السعودية فإنهم ينتقون تعبيراتهم بدقة، وعندما يخرج الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن في إحدى حملاته الانتخابية كما حدث «يوم الجمعة الماضي في ولاية مين» ويتحدث عن أن «اتفاقاً ربما يكون في الطريق بين السعودية وإسرائيل» فإنه يفعل ذلك بأقل عدد من الكلمات ومن دون تفاصيل، بل بأسرع ما يمكن، وبحرص شديد على ألا يترك منافذ تفتح باب التأويلات باتجاه إغضاب السعودية ولو قيد شعرة.
بايدن وإدارته وكل مسؤول أميركي بات يعلم أن السعودية اليوم ليست السعودية زمن ثلاثينيات القرن الماضي «كما هي كل المنطقة»، وإذا كانت أوضاع الاضطرابات وحقبة الاستعمار فرضت على السعودية تبعية أمنية للولايات المتحدة فإن هذا لم يعد قائماً الآن، وعندما تتحدث أميركا اليوم عن علاقات بين السعودية وكيان الاحتلال الإسرائيلي تحت مسمى تطبيع، فهي لا تفرض وإنما تطلب وبتوسل، وللسعودية التدبير والتقرير.. ووفق مصالحها ومصالح المنطقة، ولمصلحة دولة فلسطينية مستقلة، وهذه سياسة سعودية معلنة وواضحة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار