حتمية التاريخ

يبدو أن مسيرة التحول إلى عالم متعدد الأقطاب ماضية بلا هوادة وبإصرار غير مسبوق من الدولتين العظميين روسيا والصين، اللتين لا تخفيان هذا التوجه، فضلاً عن عدد كبير من الدول التي تدعم هذا المسار وإن كانت حتى الآن لم تعلن صراحة عن الانخراط فيه، لكن كل المؤشرات تدل على إشاحة وجهها عن الولايات المتحدة الأمريكية التي تزعمت منفردة العالم لفترة طويلة من الزمن.
النجاح الذي حققته روسيا والصين حتى الآن في نضالهما للوصول إلى تعدد الأقطاب دفع الكثير من دول العالم إلى الاقتناع بأن هذا المسار يمكنه الوصول في النهاية للغاية المطلوبة، حيث بدأت هذه الدول بالاستعداد القفزي من قارب الأحادية القطبية الذي لا تملك فيه رأياً ولا قراراً إلى قارب التعددية الذي يضمن لها مساحة واسعة من سيادة القرار وحرية الإرادة والمنافع المتبادلة.
في المقابل من العبث القول إنّ الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها سيسلمون بهذه السهولة ويتنازلون عن مكاسبهم الكبيرة في السيطرة على العالم ويفسحون المجال لمن يسعى إلى هدم النظام العالمي القائم واستبداله بنظام جديد يضمن الأمن والحرية للجميع ويترك لهم اختيار الجهة التي تحقق مصالحهم ومراميهم.
هذا كله يبرر ما تقوم به الولايات المتحدة من عقد تحالفات جديدة وإيجاد صراعات وإشعال حروب في وجه كل من روسيا والصين كالمضي في تزويد أوكرانيا بالسلاح، والتشجيع على الاستمرار في الحرب مع روسيا، وإمداد تايوان بالسلاح والعتاد وحثّها على رفض الانضمام إلى الوطن الأم، وفرض المزيد من العقوبات على الدول الإقليمية المؤيدة للانعتاق من السيطرة والهيمنة الغربية.
حيال كل ذلك يمكن القول إنّ الصراع القائم حالياً وصل إلى حدٍّ لا يمكن التراجع فيه، وما زيارة الوفدين الروسي والصيني إلى كوريا الديمقراطية للمشاركة في احتفالات ذكرى هدنة الحرب، وعلى هذا المستوى الرفيع، سوى رسالة واضحة موجهة إلى الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة بأن التحالف سيواجه بتحالف وأن القرار بتحطيم النظام القائم لا رجعة عنه، فالتاريخ لم يسجل استمرار إمبراطورية ما إلى الأبد، فزوال الإمبراطوريات وظهور غيرها أمر حتمي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار