انظر في مرآتك!

عندما تنظر إلى صورتك في مرآة الشرق، ثم تنظر إلى صورتك في مرآة الغرب، تكتشف خللاً كبيراً في الصورتين وتشوهاً يجعلك تشكك وتحتار في صحة كلتا المرآتين ! وقد يصل بك الشك والحيرة أن تتساءل هل يكون العيب في شكلي أنا؟ ففي النهاية كلتا المرآتين هما انعكاس للحقيقة !
لابدّ من مواجهة الحقائق فهذا الغرب منذ مئات السنين ينظر إلى الشرق نظرة القوي إلى الضعيف، ويأبى ألّا يكون في كل حالاته السيد والآخر تابع له..وتقيس ذلك في كل المجالات في السياسة في الثقافة في الاقتصاد..أنّها العلاقة بين الشرق والغرب، هي شبكة من علاقات القوة والسيطرة والمقاومة في آن واحد، وللثقافة في نطاق تلك العلاقات شأن مؤثر جداً.
قبل العولمة وقبل الافتراضي كان ثمة جهل بالآخر، لكن بعد أن وضع الغرب شبكته فوق رأس الشرق، وقرأ أفكاره وبواطنه ووصل إلى أماكن نفسه السرية، صار السؤال الحق في وجه مَن يتمسّح بإنسانية الغرب ونزاهة علمانيته، هل لدى الغرب فهم أفضل لقضايا العالم العربي؟
عشرات من المفكرين والنقاد وها هي كتاباتهم ما برحت حتى اليوم تُستعاد في السجلات التي لا تنتهي عن الشرق والغرب، أو في سياق نقد الفكر الغربي، وتنتمي إلى أفكار ما بعد حقبة الاستعمار، انتقدوا الحضارة الغربية ونقّاد التوحش الرأسمالي، وكان مشروعهم الفكري يقف على ثلاث دعائم أبرزها نقد النظرة الغربية إلى المجتمعات العربية ومشكلاتها.
إنّ علم الاستشراق الذي ظهر كحاجة لنقد تصورات المستشرقين الغربيين عن الشرق، والذي لا يزال يثير جدالات صاخبة في هذا الميدان، لم يتمكن إلّا في مجال ضئيل جداً من زحزحة الأنماط المعرفية التي أناخت طويلاً على عيون المستشرقين وعقولهم وأفكارهم، واليوم نحن بحاجة إلى التأكيد على صورتنا الحقيقية التي خبرناها جيداً من دون التدخل الجراحي المشوه للغرب في نقد موروثنا الثقافي والأدبي والمعرفي، وهي دعوة للتمسك بقيمنا لأنها الدواء لداء الانفصال الذي يعانيه مجتمعنا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار