خيبة أمل كبيرة لدى واشنطن والدوائر الغربية بفشل انقلاب فاغنر، إذ منذ اللحظة الأولى لإعلان التمرد هبّت الماكينة الإعلامية في الغرب وملحقاتها تهلل وتكبر وتعلن سقوط روسيا واندحار بوتين، وتناوب فوراً زعماء واشنطن وأوروبا من بايدن إلى ماكرون إلى شورلتز ورئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك على التداعي للاجتماعات والتصريحات بقرب هزيمة الكرملين في أوكرانيا.
الفرحة الأميركية والأوروبية لم تستمر طويلاً ففي أقل من أربع وعشرين ساعة انتهى التمرد وسقط الانقلاب ولم تتوقف العملية العسكرية في أوكرانيا لحظة واحدة وتبيّن أن هناك خفّة وتسرعاً لدى الرؤساء الأوروبيين واستعجالاً في إعطاء الأحكام على مجريات الأحداث، وتمضي موسكو في خطتها المرسومة للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا في حين تضع الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو والدول الأوروبية جميعاً ثقلهم لإلحاق الهزيمة بروسيا دون جدوى.
راهنوا على التمرد العسكري وفشلوا، وراهنوا على انكسار روسيا في العملية العسكرية وخاب رهانهم، وكان رهانهم الأكبر على عزل روسيا دولياً ومنع بيع نفطها وتقليص عائداتها الخارجية وكانت النتائج أيضاً عكس ما توقعوا، وعادوا إلى ضخ الأسلحة والمليارات لاستمرار طاحونة الدم حتى آخر أوكراني مع إلزام نظام كييف عدم التجاوب مع أية مبادرة للتفاوض وإنهاء الحرب، فالهدف الذي رسمته واشنطن للنار الأوكرانية هو استنزاف روسيا إلى أقصى حد وجر أوروبا لتمويلها فيما تحصد هي مكتسبات الحرب ببيع الأسلحة والنفط إلى الدول الأوروبية بعد مقاطعة روسيا من كل النواحي.
جاءت عملية التمرد لتعوض الفشل الذي تم إثر الهجوم المضاد الذي حَضّروا له طويلاً وخسر الجانب الأوكراني الجولات فيه كلها، ومع ذلك تستمر إدارة بايدن في دفع زيلينسكي لمواصلة الحرب ضد روسيا ومنع توقفها لتبقى ورقة ضاغطة على موسكو حتى لا تفكر بتغيير الهيمنة الأميركية على القرار الدولي وبروز قطب روسي – صيني منافس للقطب الأميركي ويشجع على نشوء أقطاب أخرى وولادة عالم جديد تغيب عنه تسلط اليد الأميركية.
لا نتوقع أن تتوقف المحاولات الأميركية مع فشل العملية العسكرية الأخيرة، فهي في الوقت الذي تواصل فيه تسعير نيران الحرب في أوكرانيا تعمل على حياكة المؤامرات وحشد الدول ضد روسيا، لكنها لم تتوقع أن تكون القدرات الروسية في تزايد وتتغلب على قدرات أميركا والغرب وتمضي نحو انتصار نهائي لها في أوكرانيا على الرغم من كل الحشد والأموال التي تنفقها واشنطن وحلفاؤها على هذه الحرب.