ما بعد «التمرد»..؟

في حدث التمرد المسلح الذي شهدته روسيا أمس وانتهى بأسرع مما تخيله الغرب وبصورة لم تفسح له حتى دقيقة واحدة لاستغلاله، توزع التركيز دولياً على مجمل الدول والمناطق التي تتواجد فيها روسيا، سواء ميدانياً أو على مستوى العلاقات والتكتلات واتفاقيات التعاون السياسي والاقتصادي، وبدهي أن تكون سورية ضمن هذه الدول، بل هي في قلب هذا التركيز ليس فقط بسبب ما يربطها مع روسيا ميدانياً وسياسياً واقتصادياً، بل لتواجد سورية في أكثر المناطق حيوية بالنسبة للغرب ولأن أميركا نفسها تتواجد في سورية كقوة احتلال، ولأن سورية تمثل بالنسبة لأميركا نقطة ارتكاز أساسية جيوسياسية في المنطقة، وأي اضطرابات أمنية من أي نوع كان في روسيا لا بدّ أن تنعكس بصورة إيجابية كبيرة على قوة التواجد الأميركي الاحتلالي في سورية، هذا عدا عن التطورات الدولية المتسارعة باتجاه عالم متعدد الأقطاب والذي تشكل روسيا أبرز دعائمه.. وما يهم أميركا أيضاً أن روسيا وسيط أساسي في تقريب وجهات النظر بين سورية وتركيا وصولاً إلى تطبيع العلاقات بينهما، وإذا ما انتهت هذه الوساطة إلى تحقيق هدفها فإنّ ذلك سينعكس بلا شك قوة للموقف الروسي في سورية والمنطقة مقابل ضعف الموقف الأميركي وتزايد انحساره، والدور الأميركي يعاني انحساراً مزمناً في المنطقة تعجز أميركا عن وقفه رغم جهودها الكبيرة في سبيل ذلك.
أياً يكن.. لا شك في أن الدول المعنية تنفست الصعداء وهي ترى القيادة الروسية تتعامل بحزم وحسم مع التمرد المسلح وتنجح سريعاً في إخماده، وهذا حال السوريين الذين كانوا على ثقة تامة بذلك.
وعليه عاد الحديث عن مسار التقارب مع تركيا إلى الواجهة، وهذه المرة بدفع الوقائع الميدانية، خصوصاً تصعيد الاعتداءات الإرهابية من قبل الفصائل المسلحة التابعة للمحتل التركي وبما لا يتوافق مع ما صدر عن اجتماعات «الرباعي – أستانا» في الـ20 و21 من هذا الشهر، فالميدان اختبار أول لكل ما يتم التوصل إليه على المسار السياسي.
وبعيداً عما يتم تداوله حيال أهداف التصعيد، ومنها ما هو غير منطقي وخصوصاً ما يُقال عن أنه في بعض جوانبه يصب في مصلحة مسار التقارب.. بعيداً عن ذلك قد يكون التصعيد مرتبطاً بالتناقض في المواقف والتصريحات بعد كل اجتماع تقريباً، ولاسيما الاجتماع الأخير، ففيما تتحدث أطراف عن أن المسار على وشك أن يدخل مرحلة التطبيق العملي بعد التوافق على «خريطة تطبيع» لا تتحدث الدولة السورية في المنحى ذاته، وهي أكدت بعد الاجتماع مباشرة أن مقدمات خريطة التطبيع لا تزال غير متوافرة، ولا بدّ أن يكون هناك قرار تركي واضح لا لبس فيه بالانسحاب وفق جدول زمني محدد وواضح المعالم والخطوات ويبدأ فوراً، بعدها يمكن الحديث عن خريطة تطبيع. وترى الدولة السورية أن المحتل التركي لا يزال بعيداً عن الوفاء بمتطلبات العلاقات مع سورية، ولا يمكن بناء علاقة مع طرف محتل.
ومن المتوقع أن يستمر الافتراق في المسارين الميداني والسياسي خصوصاً في المرحلة المقبلة، حيث إن الجولة المقبلة من اجتماعات الرباعية بعيدة زمنياً «في النصف الثاني من هذا العام حسب المُعلن» من دون ذكر موعد محدد لها.. هذا عدا عن التطورات التي ستطرأ في المرحلة المقبلة على «تشكيلة» هذه الاجتماعات بانضمام دول أخرى إليها، عربية بالدرجة الأولى، وهذا يعني أن تغييرات من نوع ما قد تطرأ على مخرجات الاجتماعات المقبلة.
وفي إطار المتوقع.. فإنّ الوساطة الروسية، ومجمل الدور الروسي في سورية، لن يتأثر بحدث التمرد المسلح، لأن الحسم السريع لهذا التمرد حوّله إلى شأن داخلي بحت بغير آثار دولية.. أما لو كان نجح أو استمر لمدة أطول وانعكس اضطرابات أمنية أوسع فعندها على الأكيد سيكون هناك حديث آخر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار