إسفاف سياسي

بين تغييب سورية عن مؤتمر المانحين في بروكسل عن سابق إصرار وإلغاء الاتحاد الأوروبي اجتماعه مع الجامعة العربية بسبب عودة سورية إلى مقعدها ومكانها الطبيعي، مناورة غربية واضحة وإسفاف سياسي وأخلاقي «يبرع» الغرب في ممارسته ليبعد ذاته كما يبعد من لفّ لفيفه عن الاعتراف بالمتغيرات والحقائق.
يؤرق الغرب رؤية عوامل الأمن والاستقرار وهي في طريقها إلى التعزيز في مجمل دول المنطقة وبين بعضها، وفي ومع سورية بشكل خاص، وهذا إقرار وإن كان بشكل غير مباشر برفضه الاعتراف بانتصار الدولة السورية ورفضه أي حلول ومقترحات تنهي الحرب الدائرة منذ 13 عاماً وتحل الأزمة مادامت لا تمر عبر طريقه ولا تكون على مقاسه، ومادامت تعزز سيادة واستقرار الدولة السورية وانفتاح الأبواب الإقليمية والدولية عليها، والواضح أن المربع الأول هو الخيار الوحيد الذي يرمي الغرب للحفاظ عليه فيما يتعلق بالحرب على سورية رغم أن الزمن عفا عليه.
لا يمكن فهم إلغاء الاجتماع المذكور آنفاً إلّا في سياق التدخل الغربي السافر في الشأن العربي، ودق إسفين بين الدول العربية في محاولة لإعادة النظر في القرار العربي حول التوجه نحو دمشق وطي صفحة الماضي، وفي سياق السعي المحموم لإدامة عوامل التفجير والفوضى، وتسخين الأزمات وليس تبريدها كما تنحو الدول العربية، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط لما لها من خصوصية تفضيلية بالنسبة للغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
على كل حال لم يقدم الغرب جديداً بسياساته واتجاهاته بل تتوالى فصول سقوطه وهذا واضح في التصريحات، إذ عندما يتحدث الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بأن «دول الاتحاد الأوروبي مستعدة للمساعدة في إعادة إعمار سورية فقط عندما تجري عملية انتقال سياسي شاملة وذات مصداقية» وأن «المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لن تدعم إعادة اللاجئين السوريين لأن الشروط غير مستوفاة حالياً» فهذا بلا شك تنصل من التزاماته الواجبة عليه والذي ألزم بها نفسه أمام المجتمع الدولي ليعكس صورته الإنسانية المزيفة بطبيعة الأحوال.
لكن يفوت الغرب أن يقتنع بأن المعطيات تغيّرت، ولاسيما أن الدول العربية ذاقت ما ذاقته من السياسات الغربية وعايشت مجمل الظروف وحيثياتها وتفاصيلها، وحان الوقت لصنع نقطة تحول ذاتية عربية تستفيد من تجارب الماضي وتتجاوزها بما تملكه من أوراق قوة تستطيع بها إيجاد الظروف المؤاتية والمناسبة لبيئاتها ولثرواتها التي تمتلك منها ما ينهض بجميع الدولة ويحقق تنميتها المستدامة عند العمل معاً وبما يسد الطريق على أي معرقلات وإسفافات سياسية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار