زيادة الرواتب أم تحسين المستوى المعيشي؟ 

أصبح الجدل حول رفع الرواتب والأجور ومصادر تمويلها بحكم الروتين الدوري للمواطنين والمسؤولين بسبب الارتفاعات المتواصلة للأسعار التي دائماً ما تلتهم الزيادات الخجولة وفقاً للمتاح بين أيدي الجهات المعنية من موارد توصف دائماً بأنها محدودة.

فما أن تسري المعلومات حول النوايا بقرب اتخاذ قرار الزيادة حتى تبدأ الأسعار بالصعود بنسب أعلى من زيادات الرواتب، وهذا مرده إلى أمور عدة أبرزها أنه غالباً ما تسبق أو توازي القرار زيادة أسعار المشتقات النفطية، وكذلك عدم مجاراة الزيادة في كتلة المعروض النقدي من قبل إنتاجنا في مختلف الميادين ما يسبب انخفاضاً في القوة الشرائية للدخل، هذا إضافة إلى ضعف الرقابة على الأسواق وانفلات الأسعار من دون حسيب أو رقيب.

ومهما كانت نسبة الزيادة فإنها غالباً ما تحبط المستفيدين منها لأنها لا تجاري حدة التضخم الذي يعاني منه اقتصادنا وهذا ما أثر بشكل كبير على إنتاجية الموظفين وقلل من ولائهم وانتمائهم إلى مؤسساتهم ورفع من الرغبة في ترك الوظيفة والبحث عن فرصة عمل في القطاع الخاص أو في دول أخرى، ما سبب ضرراً في بنية القطاع العام جراء الاستنزاف الكبير في كوادره وكفاءاته..

إن استمرار عقلية التفكير بزيادة الرواتب الاسمية مقابل تأمين الإيرادات مهما كانت نتائجها سلبية على اقتصادنا سيلحق ضرراً فادحاً بالمنتجين والمستهلكين، وهذا ما يتطلب تغيير الإستراتيجيات والسياسات في هذا المجال بحيث يكون الهدف تحسين المستوى المعيشي ليصبح الدخل قادراً على تأمين احتياجات العاملين وأسرهم.

وهذا التغيير يجب أن ينطلق من تحريك عجلة الإنتاج ودعم المنتجين الحقيقيين في مختلف قطاعات اقتصادنا، مع التركيز على إغلاق مكامن الفساد المستشرية ضمن الآليات المتبعة في هذا الإطار وفقاً لمصفوفات عمل مبرمجة زمنياً تخضع للرقابة والمحاسبة، وعدم ترك الحبل على الغارب للمصرحين الذين يتفننون في تزيين واقع مؤسساتهم بأرقام اسمية لا تعكس الواقع مثل الإعلان عن تنفيذ الخطط الإنتاجية والتسويقية بنسب تفوق ما هو موضوع بالقيمة مع ابتعادهم عن ذكر كميات الإنتاج مستغلين ارتفاع الأسعار والتضخم لتسويق نجاحاتهم المزعومة.

صحيح أن ظروف الحصار الظالم والاحتلال الأمريكي لمنابع النفط وسلة الإنتاج الزراعي السوري هي أبرز العقبات في وجه أي طموحات لتحسين المستوى المعيشي، لكن التخطيط العشوائي وغياب الرقابة الفعالة عن أداء مؤسساتنا لا يقل سلبية على اقتصادنا ومستوى معيشتنا..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار