حديث الشارع السوري؟!
يقول البعض في الشارع السوري في أحاديثهم الجانبية حول الأجواء الإيجابية في القمة العربية: هل ننتظر الأشقاء العرب لإعادة الإعمار، ونأمل بالمزيد من تعاون الأصدقاء والحلفاء؟ وهل يطول الانتظار أو يقصر.. لم يعد في الجعبة الكثير من التفاؤل، ونحن نشهد ما نشهده من كوارث وحروب وأزمات غذاء وإمداد في العالم؟!
البعض الآخر، وأنا منهم أردد في السر والعلن، لا يمكن أن نضيع أي ثانية في الانتظار.. لابدّ من العمل الفوري واستمرار الجهود الطيبة التي بذلت وتبذل قبل القمة العربية وتستمر بعدها لتنشيط الاستثمار الوطني، ونحن نرحب بالاستثمارات العربية.. لكن الشمس تشرق من سواعد أبناء الوطن.. وسّعوا المجالات والتسهيلات للصناعيين والحرفيين والشباب الخريجين ليكونوا سواعد إعادة الإعمار ويده القوية عبر حزم جديدة من التسهيلات.. كل من يريد أن يعمل فليعمل من بيته من أرضه من دكانه.. لقد باتت بعض القيود الإدارية والضريبية كخيوط العنكبوت تنسج شبكات من الإحباط والكآبة, باب طريق الحرير منذ آلاف السنين يفتح من بوابتنا.. والدليل أن قطعة قماش سورية من البروكار والحرير هي بحق أغلى من الذهب ولا تقلّ قيمتها الاقتصادية عن برميل نفط وتساوي ثروة للصناعة السورية.. لا مشكلة في استيراد خيوط القطن أو غيرها، المشكلة في الصدأ الذي بات يأكل الآلات والمعدات الصناعية في الورشات المغلقة..!
القصة قديمة جديدة معروفة لمن يريد أن يضع الحلول.. تبدأ من تحفيز الزراعة بشكل حقيقي من حقول القمح والقطن والخضراوات التي هي مصدر دخل مهم للمزارعين، وبدلاً من تصدير المواد الأولية لا بد من إضافة قيمة اقتصادية جديدة بعد دخولها المعامل لتفتح المجال أمام استثمارات بمواد خام محلية كالحمضيات والزيوت وغيرها وتشغيل المئات من الأيدي العاملة وفتح بيوت كريمة.. بأيدي مهرة تصنع وتوضّب بألف شكل ولون وطعمة، ثم القيمة المضافة الأخرى، فالعشرات بل المئات من المصانع تفتح أبوابها لتصنيع الملابس والكثير من الاستثمارات الحقيقية التي تولد فرص عمل إضافية.. وبلمسات جميلة وأنيقة تتصدر صناعة الملابس السورية الأسواق المحلية والإقليمية وتنافس العالمية.. وهناك الكثير من الأدلة على أن صناعة الملابس السورية كانت تتعرض للقرصنة في لبنان وتركيا ويتم تبديل البطاقات «صنع في سورية» بماركات عالمية ويتم وضع أسعار جديدة بأرقام مضاعفة وتصدر إلى أوروبا.
ما نؤكد عليه اليوم أن سورية قلب العالم القديم والجديد، ولا يليق بنا الانتظار الذي يولد الإحباط وأن يستمر.. وطريق خان الحرير لم يكن أسطورة، هو خط تجاري موثق وحقيقي وليس مجرد أمنيات، وما نريده حقاً أن نضع أنفسنا ورؤيتنا في المكان الذي يستحقه شعبنا ووطننا.. الرحلة طويلة والسوريون بقدر ما هم متعبون هم أيضاً متحمسون يدعمهم رصيدهم وتاريخهم المعطر والحضاري على مضماري التجارة والصناعة التي تشهد بجودتها القارات الخمس وهي استثمار حقيقي لأن كل موادها الأولية من إنتاج محلي وتمر بسلسلة من العمليات الإنتاجية وتولد آلاف فرص العمل, ولا شك في أن الصناعات المحلية تعود علينا بما لا يقل إن لم يكن أكثر من النفط الخام الذي تتم سرقته ونهبه!
ما يهم أن الصناعة السورية هي عنوان الدولة القوية التي نعيد إعمارها، وكل خطوة بدعم الصناعات هي خطوة باتجاه التنمية وتحسين فرص العمل والأسواق وتحصيل القطع الأجنبي.. والجريمة الاقتصادية الحقيقية أن نستورد أي منتج إلا الآلات الصناعية التي نطمح إلى تصنيعها ومستلزمات التصنيع والإنتاج.. إن الصناعة هي القاطرة والحاملة الأساسية في إعادة الإعمار ونقول الصناعة ثم الصناعة ثم الصناعة.