ربما تسجل القمة العربية الوشيكة الانعقاد في جدة في المملكة العربية السعودية واحدة من أهم القمم العربية منذ انعقاد أول قمة عربية قبل أكثر من سبعين عاماً، وتشكل عودة سورية للمشاركة في اجتماعات قمة جدة الحدث الأبرز في هذه القمة، فمنذ الإعلان عن حضور سورية القمة العربية ومواقف الترحيب العربية وغير العربية تتوالى ولم تنقطع، إذ ترك غياب سورية لنحو اثنتي عشرة سنة فراغاً كبيراً شعر به الجميع وانعكس بشكل أساسي على العمل العربي المشترك برمته.
والسبب ليس في أن سورية دولة مؤسسة للجامعة العربية وإنما لدور سورية في اتخاذ القرارات العربية الفعّالة التي تمس حاضر العرب ومستقبلهم وتنعكس إيجاباً على المصلحة العربية المشتركة، ومع حضور سورية القمة العربية يأمل كثيرون في أن تنطلق مسيرة عمل عربي جديدة عنوانها تضامن عربي حقيقي يزيل حالة الترهل والابتعاد عن القضايا الجوهرية، ولا شك في أن موجة الترحيب الكبيرة بعودة سورية تدل على التفاؤل العربي بتحريك المياه العربية الراكدة منذ ابتعاد سورية عن الجامعة العربية وتوقف مشاركتها بالعمل العربي المشترك في إطار الجامعة.
مرت أحداث كثيرة منذ انقطاع سورية عن الجامعة العربية وكاد العمل العربي المشترك الذي يخدم المصالح العليا للأمة العربية أن يلفظ أنفاسه، كما تراجع التأثير العربي في القرارات الدولية، وكادت القضية المركزية للعرب أن تصبح في آخر سلم الاهتمام الدولي، وسجل العدو الصهيوني نقاطاً كثيرة لصالحه خلال هذه السنوات، ومجيء سورية إلى مقعدها في الجامعة يحيي الآمال بولادة مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك أكثر حيوية وتأثيراً.
ما من شك في أن هناك مؤشرات إيجابية ترافقت مع عودة سورية إلى مكانها في الجامعة.. من هذه المؤشرات عدم الإصغاء للصوت الأمريكي باستمرار الدول العربية بمقاطعة سورية، والتقارب السعودي- الإيراني بوساطة صينية، وزيادة عدد الدول التي تنوي التوجه شرقاً، وتراجع التأثير الأمريكي في منع دول المنطقة من إقامة علاقات مع الصين وروسيا ودول العالم الأخرى من دون قيود، وهذه صحوة جديدة على حساب التحكم الأمريكي في سياسات المنطقة وبداية للتحرر والانعتاق من القبضة الأمريكية التي سيطرت عقوداً طويلة على مقدرات دول المنطقة ولاسيما الدول العربية.
من هنا نترقب أن تحرك قمة جدة العربية التفاعل في الواقع العربي، وأن نلمس توجهات جديدة في العمل العربي المشترك الذي حان الوقت أن ينطلق من دون قيود موضوعة مسبقاً من قوى دولية وفقاً لمصالحها وليس وفقاً للمصالح العربية.