ما تعيشه المنطقة العربية من متغيرات متسارعة تقلب مفاهيم كان معمولاً بها لسنوات طويلة، وتستعيض بها مفاهيم جديدة قائمة على الحوار والتفاهم، يشي بأننا على أعتاب مرحلة مقبلة قد تندرج ضمن إطار أوسع وأشمل تتزاحم فيه وتتصارع أقطاب صاعدة مع قطب أحادي كان يحلم بأنه سيستمر طوال القرن الحالي بلا منازع.
قد تكون المتغيرات الإقليمية نتيجة حتمية لقراءة متعمقة لمتغيرات عالمية ترجح فيها كفة التفاهم والحوار والمصلحة المشتركة على كفة الهيمنة والتسلط والإملاءات التي سأم منها من عانى من تبعاتها طويلاً.
لا ندّعي الإبداع والاختراع إذا قلنا إنّ «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، الذي نادت به الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وعملت جاهدة على تطبيقه تحت مسميات «الربيع العربي والثورات الملونة»، فشل فشلاً ذريعاً، وأضاع معه أوهاماً كان يعتقد المنخرطون فيه من المنطقة أنهم سيمارسون دور العرّاب والوكيل والركن الأساسي.
اليوم وفي حصيلة المراجعة وإعادة الحسابات الدقيقة للجوار الإقليمي لسورية التي كان لها شرف الصمود في مواجهة هذا المشروع، تبين لهذا الجوار أنه يجب قلب الصفحة الماضية وفتح صفحة جديدة أساسها الوصل بدلاً من القطيعة، والتعاون بدلاً من التناحر، والمصلحة المشتركة بدلاً من الخسارة والاستنزاف والخوف من الآخر.
في ضوء هذه المعطيات يمكن أن يفهم المتابع سرّ التقارب الإيراني – السعودي، والانفتاح العربي على سورية والتهدئة في اليمن وفتح جسور التواصل مع دول عظمى كانت لفترة قريبة في دائرة المنع، وكل ذلك وسط انحسار تأثير من كان يبذر بذور الخوف والعداوة والبغضاء بين شعوب المنطقة، وربما القادم أكثر خيراً وأماناً واستقراراً.
هيثم صالح
36 المشاركات