الإنتاج و إدارة النقصان السوريّة والمرونة السعريّة وأمريكا
يعتبر الإنتاج من السلع والخدمات في سورية وغيرها من دول العالم الركيزة والقاعدة الأساسية لتحديد كل المؤشرات الاقتصادية مثل (الناتج الإجمالي-الأسعار – مستوى المعيشة – متوسط الدخل – القوة الشرائية لوحدة النقد وسعر الصرف.. الخ ) ، ومع استقرار الإنتاج وتطوره يتمّ انسياب السلع والخدمات إلى الأسواق وبما يتناسب مع متطلبات السوق، أي التوازن بين قوى العرض والطلب Supply and Demand)، ومن هنا نتفهم لماذا ركزت أمريكا وأدواتها (السوريّة وغير السوريّة) على السيطرة على موارد الاقتصاد السوري وسرقتها وتدمير القوة الإنتاجية والبنية التحتية بهدف زيادة معاناة الشعب بأكمله ، ويضاف إلى ما سبق الإرهاب الاقتصادي الأمريكي والغربي (عقوبات وحصار) ما أثر على الدورة الاقتصادية الوطنية وانعكس على السوق الداخلية وشهدت تغيرات سعرية بفعل عوامل موضوعية بسبب القوى الاحتلالية وعوامل ذاتية من فساد وسرقة ونهب وغيرها، وهذا أدى إلى تراجع انسياب السلع والخدمات إلى السوق التي تعتبر بمثابة لقاء مباشر بين ( البائعين والشارين) سواء كانت السوق التقليدية أو التجارة الإلكترونية، والهدف هو تعطيل دورة النشاط الاقتصادي والتأثير في قوى (العرض والطلب) والتي على أساسها تتحدد الأسعار التي تعتبر بمثابة ( ترمومتر أو ميزان حرارة المجتمع الاقتصادية)، وانطلاقاً من انّ لكلّ سلعة أو خدمة سعرها الخاص بها في السوق فإن الأسعار تلعب دور ( المؤشرات Signals ) لكل من (البائعين والمشترين أو المنتجين والمستهلكين) أو من يمثلهما، وهذا يعني أن الأسعار تعبر بشكل مباشر عن التقابل بين ( الرغبة في السلعة أو الخدمة أي الطلب عليهما) و (تكلفة تأمينهما أي مقدار العرض منهما)، وهنا تجدر الإشارة إلى أن (دائرة الاستهلاك أوسع من دائرة الإنتاج) لأن كل منتج هو مستهلك ولكن ليس كل مستهلك هو منتج، ومن خلال التداعيات المباشرة وغير المباشرة للقوى الاحتلالية وأدواتها لسورية حصلت فوضى في السوق السورية من تاريخ 15/3/2011 بحيث أصبحت الموارد المتاحة غير قادرة على تلبية الاحتياجات للشعب السوري ما ولدّ فجوة تسويقية كبيرة بين (العرض الكلي والطلب الإجمالي) وعاشت سورية مرحلة (إدارة النقصان) وهذه من أصعب أنواع الإدارة حيث تنتعش مع توسع دائرة الفساد، لأن الفاسدين يستغلون هذه الحالة ليزيدوا من أرباحهم على حساب الشعب السوري وكأنهم الوجه الآخر للقوى الاحتلالية لأنهم يتحكمون بانسياب السلع من خلال الاحتكار والتحكم في آلية تدفقها إلى السوق السورية سواء كانت من مصادر داخلية أو خارجية، وهذا يمهد لمعدلات تضخم مرتفعة تتجاوز 100% وهي تمهد للتضخم المرتفع الذي قد يتجاوز /1000%/ وأكثر . فمثلاً أمريكا وعملاؤها وأدواتها يسيطرون على اكثر من /90%/ من الثروة السوريّة من (النفط والحبوب والثروة الحيوانية) وغيرها من خلال احتلالهم لمساحة كبيرة من الجزيرة السورية، ويؤثر هذا بشكل مباشر على منحنيات الطلب
( Demand Schedules) ، ويكون هدف المحتلين وعملائهم إحداث فوضى في السوق فيتجه المستهلكون لتغيير جوهري في سلمّ استهلاكهم، ويعود السبب الجوهري إلى عاملين أساسيين وهما :
أ- قانون الإحلال : ويعبر عن أنه مع ارتفاع سعر سلعة ما مع بقاء أسعار السلع الأخرى ثابتة او معدل ارتفاعها أقل يتجه المستهلك لاستبدالها بسلعة أخرى مشابهة أو بديلة عنها، وكمثال على ذلك مع ارتفاع سعر المحروقات يتم اللجوء إلى الحطب وهذا يهدد الثروة الحراجية كما أن له نتائج سلبية في المستقبل، وكذلك مع ارتفاع سعر اللحوم الحمراء يتم اللجوء إلى الدجاج…الخ.
ب- قانون أثر الدخل : أي أنه مع ارتفاع منظومة الأسعار تتراجع القوة الشرائية لليرة السورية وتنخفض القوة الشرائية لدخل المستهلك ويتجه نحو تقليل استهلاكه وتتغير أولوياته على أساس العلاقة بين السعر والكمية المطلوبة وينطبق هذا على سعر الصرف أيضا.
وفي كلتا الحالتين تحدث الفوضى في السوق وتشهد تقلبات عشوائية، ويصبح من الضرورة تدخل الحكومة بشكل مباشر وعبر سياستها الاقتصادية (النقدية والمالية) لتهدئة الأسواق والتخفيف من غلوائها والعمل للوصول إلى السعر التوازني، الذي يؤدي إلى توازن السوق أي التوازن بين العرض والطلب أو منحني العرض والطلب وعندها تتحقق مصلحة كل من المنتجين والمستهلكين، وعلى أثر ذلك تتحرك الدورة أو العجلة الاقتصادية ويتم استغلال الطاقات المتاحة والكامنة وتتحول إلى طاقات جارية يعبر عنها بزيادة الإنتاج والاستهلاك كما يتم تفعيل (المزايا الاقتصادية) النسبية وتحويلها إلى (مزايا تنافسية) وكمثال على ذلك (قطاع الصناعة وخاصة الغزل والنسيج والألبسة والزراعة ) في سورية، وتتم عملية تنظيم الأسواق بشكل تلقائي وترشيد الإنتاج والاستهلاك، وعندها يتم الإجابة بشكل أفضل على أسئلة المنتجين والمستهلكين وهي (ماذا أنتج وكيف ولمن ومتى؟).
ويتم تقريب المسافة بشكل نسبي بين الدخل النقدي ورغبات المستهلك . إذاً فتفسير ما يجري في السوق السورية أوسع من دراسة إمكانيات الاقتصاد السوري بموارده المتاحة، بل بالسيطرة على موارد ه من المحتلين، فالقضية أوسع من مقولة (العرض والطلب) من السلع، بل تخضع لما يدعى (المرونة السعرية) التي تعبر عن نسبة التغير في الكمية المطلوبة من سلعة ما على ضوء نسبة التغير في سعرها، وتتباين السلع من حيث مرونتها السعرية فإذا تغيرت الكمية المطلوبة من سلعة ما مع تغير سعرها نقول إنها ذات مرونة عالية مثل السيارات والتبغ والسلع الكمالية أي أنها ذات طلب مرن، أما إذا كانت السلع ضرورية (الغذاء والخبز والأدوية) فهي ذات مرونة منخفضة، ولكن يمكن القول إن تحديد مستوى المرونة يتوقف بشكل أساسي على العوامل الاقتصادية وفي مقدمتها المنظومة الإنتاجية وتفعيل هذه المنظومة يعني تعزيز القوة الشرائية لليرة السورية وتحقيق التوازن في السوق وتحسين مستوى الدخل، ومعروف أن الإنتاج هو بداية الدورة الاقتصادية وأساس قوتها ومحدد مستوى كل المؤشرات الاقتصادية بما فيها المنظومة السعرية، فعندما يكون إنتاجنا بخير فنحن بخير والبداية من طرد المحتلين ومحاربة الفساد والفاسدين والاستغلال الأمثل لمواردنا وتحسين المنظومة الإدارية في بلدنا الغالي.