رغم الحروب و«كورونا».. صناعة الترفيه العالمية عائدات تصل لـ2.6 تريليون دولار بحلول 2025

لم تمنع «كورونا» والحروب والتضخم المالي من النمو السريع في صناعة الترفيه العالمية، الذي شهدته الأعوام الماضية، إذ باتت اليوم أحد أكبر المؤثرين في الاقتصاد الدولي.
وبحلول 2025 يتوقع أن تدر 2.6 تريليون دولار من العائدات، ويرجّح الخبراء أن تشهد العديد من القطاعات المدرجة تحت المظلة الواسعة لصناعة الترفيه نمواً سريعاً خلال الأعوام الخمسة المقبلة، حيث يعود ذلك أساساً إلى الاتجاهات الثقافية الحديثة وارتفاع مستوى المعيشة العالمي، ما يؤثر إيجاباً في الصناعة ومستقبلها.
ولصناعة الترفيه تأثير مباشر في الاقتصاد الدولي من خلال إنتاج المحتوى وتوزيعه، ويتضمن ذلك بيع التذاكر وأقراص «دي في دي» وخدمات البث ورسوم الترخيص والمنتجات الأخرى ذات الصلة، إضافة إلى ذلك تدر الصناعة دخلاً من خلال الإعلانات والرعاية، وينتج المحتوى أيضاً وظائف مباشرة وغير مباشرة مثل الممثلين والكتّاب والمخرجين والفنيين والعديد من الوظائف الأخرى الداعمة للصناعة.
وفي بعض الدول على سبيل المثال، يعمل في الصناعة نحو 2.5 مليون شخص من بينهم نحو 822 ألفاً يعملون في صناعة الترفيه بشكل مباشر، فينخرطون في مجالات الإنتاج والإخراج والتصوير والتوزيع، حيث تشير آخر الأرقام إلى أن صناعة الترفيه تستوعب عمالة مباشرة في الصناعة أكثر من أي قطاع اقتصادي آخر، بما في ذلك قطاعات كالنفط والغاز والمناجم، إذ قدر إجمالي الرواتب والأجور في صناعة الترفيه الأمريكية العام الماضي بـ186 مليار دولار، كما يسهم القطاع فيما يقارب 14.5 مليار دولار من الصادرات سنوياً.
هذا وأصبحت صناعة الترفيه مساهماً رئيساً في التجارة الدولية، عبر تصدير الأفلام والبرامج والمسلسلات التلفزيونية، والمحتوى الموسيقي وجميعها باتت مصدراً رئيساً للإيرادات في العديد من الاقتصادات، حيث بلغت مساهمتها في الاقتصاد البريطاني عام 2017 نحو 2.9 مليار جنيه إسترليني، وبالنسبة لفرنسا بلغت 3.8 مليارات يورو في العام نفسه.
ويقول نائب مدير قسم الأبحاث في شركة برايس ووترهاوس كوبرز للأبحاث: “إنّ أحد الأسباب التي ستؤدي إلى انتعاش سوق صناعة الترفيه العالمية، هو تلك الأنماط السلوكية التي تم اكتسابها خلال فترات الإغلاق الطويلة في جائحة كورونا، حيث زادت من شعبية الصناعة بشكل كبير، كما أن تنامي القطاع التكنولوجي يوجد قنوات جذب جديدة عبر إمكانية الوصول إلى قطاعات أكبر من المستهلكين، ما يتيح لقطاع الترفيه سوقاً أكبر هو في أمسّ الحاجة إليها خاصة مع ارتفاع تكلفة الإنتاج في الصناعة”.
ومع هذا فإن بعض أقطاب الصناعة يعانون بصورة تدفع إلى التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى تلك العثرات، وهل هي أسباب عامة أم عوامل خاصة بتلك الشركة؟ وهل يمكن أن تمتد تلك العوامل فتنال من أباطرة آخرين في الصناعة؟
من منا لم يبهره عالم ديزني بأبطاله ونجومه المتعددين، ومن منا لم يحلم يوماً ما بأن يكون جزءاً من عوالم ديزني السحرية، ومن منا لم يقرأ قصص ميكي وبطوط والعم ذهب شديد الثراء والبخل في آن، ومن منا لم يعجب بهذا العالم السحري والمبدع لديزني بأقزامه السبعة وأميرته النائمة، والجميلة سندريلا. لكن السؤال، هل بدأت التعويذة السحرية لعالم ديزني أحد أباطرة صناعة الترفيه في العالم بالتلاشي؟
انخفض سعر سهم ديزني أكثر من 40 في المئة – ضعف الانخفاض في سوق الأسهم الأمريكية في 2022 – عن المستويات المرتفعة التي وصل إليها منذ عامين، والآن تخطط الشركة لإلغاء 7000 وظيفة، وخفض النفقات بنحو 5.5 مليارات دولار كجزء من خططها لإعادة تنظيم نفسها مع تركيز أكبر على الإعلام الرياضي.
لكن هل يعني ذلك أن الشركة ذات التاريخ الطويل تقوم بإعادة هيكلة ذاتها لتتلاءم مع التحديات المعاصرة، أم إن الأمر يعكس حالة من الارتباك الإداري في أعلى هرم السلطة داخل المؤسسة؟
مع هذا، يرى البعض أن أزمة ديزني جزء من تحديات متعددة تواجه قطاع الترفيه العالمي.
يقول لـ”وكالات” الباحث الاقتصادي جورج هنري: “أعمال البث المباشر لشركة ديزني تنمو، لكنها تنزف في الوقت ذاته، فالقطاع الذي يتضمن ديزني وهولي وأي إس بي إن، سجل خسارة تشغيلية تزيد على أربعة مليارات دولار في السنة المالية 2022، ووصل عدد المشتركين في خدمة ديزني الرئيسة إلى نحو 165 مليون مشترك في جميع أنحاء العالم”.
وأضاف: “أحد أكبر الاتجاهات الناشئة في صناعة الترفيه هو اعتماد الواقع الافتراضي والروبوتات في الترفيه، بحيث باتت الروبوتات تستخدم لأغراض متعددة تراوح بين الترفيه والتدريب وإدارة المرافق والأعمال التشغيلية الأخرى، وعملية الدمج تلك عملية مكلفة مالياً وتتطلب إعادة هيكلة للعديد من القطاعات الأساسية في الصناعة، وبقدر مساعدتها على حل العديد من المشكلات وخفض التكلفة على الأمد الطويل، فإن الروبوتات توجد أيضاً كثيراً من التحديات أمام الصناعة”.

ويعد ارتفاع التكاليف ونقص العمالة التحديين الرئيسين للصناعة على المستوى العالمي في الوقت الراهن، فتنظيم الأحداث في مجال الترفيه، خاصة الفعاليات ذات النطاق الواسع مهمة كثيفة العمالة، ما يتطلب في كثير من الأحيان إتمامها بالاستعانة بالعمالة المؤقتة، وتشهد التكلفة زيادة على المستوى الدولي نتيجة للمنافسة المحتدمة سواء دولياً أو إقليمياً.
هذا التحدي يتطلب، من وجهة نظر سوزان كريس العاملة في مجال تنظيم الفعاليات الترفيهية، ضرورة البحث عن نماذج أعمال جديدة في الصناعة.
وتؤكد لـ”الاقتصادية” أن التقدم في التكنولوجيا والرقمنة يساعد منشئ المحتوى على التخلص من الوسطاء ويدفعهم للعمل مباشرة مع المستهلكين عبر مجموعة متنوعة من المنصات، وحالياً تتيح برامج الإنتاج سهلة الاستخدام انطلاقاً طموحاً بإنشاء محتوى عالي الجودة وتقديمه للمستهلكين.
وتقول: “هذا يتطلب من شركات الترفيه معرفة كيفية التنويع والمنافسة على نطاقات كبيرة وصغيرة في الوقت ذاته، فالمواهب الراسخة يجب أن تجد طرقاً جديدة للتواصل مع الجماهير وتوزيع المحتوى وتسويق أنفسهم، ويعني هذا في عصر الرقمنة التواصل بشكل أكبر مع المستهلكين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ودفع المحتوى الجديد مباشرة إلى خدمات البث بدلاً من التركيز على الألبومات المادية أو أقراص الـ«دي في دي»”.
قبول معظم الخبراء بالتأثير السلبي لزيادة تكاليف الإنتاج في قطاع الترفيه، والتأكيد على ضرورة البحث عن نماذج إنتاج جديدة لدعم الصناعة، لا يتناقضان مع وجود إجماع حقيقي على أن المشكلة الرئيسة التي تواجه صناعة الترفيه هي الانتشار المتزايد للقرصنة، إذ تسبب تفشي القرصنة انخفاضاً كبيراً في الإيرادات للعديد من الشركات، إضافة إلى ذلك تجعل القرصنة عملية حماية الشركات لملكيتها الفكرية أكثر صعوبة وتكلفة، خاصة مع صعوبة تعقب ومقاضاة المسؤولين عن الأنشطة غير القانونية.
ولـ”وكالات”، يعلق المحامي ألفي لوقا، قائلاً: “القرصنة تضعف الحافز على إنتاج الأعمال الجديدة، لأنها تخفض الإيرادات المحتملة التي يمكن للمبدعين والمنتجين تحقيقها، ومع خسارة الإيرادات يختار العملاء المحتملون القرصنة بدلاً من شراء المنتج الأصلي، إضافة إلى ذلك هناك مشكلات قانونية نتيجة القرصنة، لأن تنزيل المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر وتوزيعها من دون إذن أمر غير قانوني، والأخطر أن القرصنة تؤدي في الأغلب إلى تدني جودة العمل الترفيهي”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار