تحت عنوان كوميدي
معروفٌ أن تجارب معظمهم لا تحظى بتوافقٍ عام، لكن تخطي مُتابعي بعض صنّاع المحتوى على يوتيوب رقم المليونين وأكثر، يستحق التوقف عنده، وإن كان الحُكم على ما يُقدمونه مرهوناً بحالةٍ شبه عامة، فرضتها وسائل التواصل الاجتماعي وما يُقاربها في عوالم التكنولوجيا حولنا، والتي جعلت كل شيء سريعاً ومُقتضباً ومُستهلكَاً، حتى إن مشاعر الحب والغضب والحزن قابلة للترجمة إلى رموز وإشارات، تماماً كرسائل المعايدات والتعازي التي تنفي أي خصوصية للمُرسل إليه، كل هذا مهّد بشكلٍ ما لصناعة فيديوهات وبرامج تفتقر إلى التأني والجدية، ما دام الإرسال يتم عبر الوسائل نفسها.
التكنولوجيا غيّرت أسلوب التلقي، لم يعد الوقت متوفراً لقراءةٍ عميقة أو بحثٍ للتأكد من صحة رقم أو معلومة، وفي الفوضى التي لم تترك شيئاً على حاله، امتد التغيير إلى أسلوب الإرسال، حتى حلّت المواد البصرية مكان النصوص، مدعومةً بالألوان والتصاميم والصوت وكل ما يُمكن له المساعدة في تمرير الرسالة بسرعة، وبالسرعة ذاتها يجب التحضير لمحتوى جديد، خفيف ومُضحك، لا مشكلة في أن يُثير حفيظة البعض أو انزعاجهم إلى حدٍّ مُعين، سيُسهم بطبيعة الحال في مزيدٍ من الانتشار والشهرة.
عددٌ لا بأس به من اليوتيوبرز تورطوا في إنتاج محتوى ساذج تحت عنوان كوميدي، فارتدوا ثياباً نسائية وشعراً مستعاراً، وقدموا يومياتٍ أُسريّة سوريّة، بينما أعاد البعض إنتاج أزمات المعيشة اليومية بشكلٍ خفيف وساخر، ولا يمكن القول إنهم لم يُحققوا «نجاحاً» ما، والدليل أعداد المعجبين والمُتابعين التي لا يُمكن تجاهلها إطلاقاً، وإن كانت الإشكالية في جوهرها ليست في فكرة الإضحاك لكن فيما يُمرر خلالها عن قصد أو من دونه، من إساءات وكراهية وتنميط للأشخاص والأفكار، إضافة إلى أن الهضم السريع دليلٌ أيضاً على السطحية الدامغة في المُنتَج الذي لم يترك أثراً أو نتيجة يُمكن الحديث عنها.
اليوم تخرج علينا إحداهن بفيديو تُعلن فيه انفصالها عن زوجها، وفي بثٍ آخر يُطالب شابٌ لم يجد وقتاً لارتداء قميصه بزيادة عدد السرافيس حتى لا تضطر الفتيات للركض صباحاً، ولا يتردد هؤلاء وأمثالهم في الدعوة للاشتراك بقنواتهم في يوتيوب، بينما لايزال آخرون يُصرون على تكرار ما يُقدمونه منذ أعوام من هزالة واستجداء للتفاعل، ربما لأن ما في جعبتهم انتهى، ولم يعد تدويره مُجدياً.