«شوقي» مضى ولم يرحل
مع الأسف يا صديقنا وشيخنا الشاعر شوقي بغدادي لم أف بوعدي بزيارتك، وكنت قد وعدتك أكثر من مرة أن أزورك وفق طلبك برفقة صديقنا الذي كنتَ تُحب الصحفي والقاص د. جمال عبود، لكنك تعلم أنه سبقك إلى حيث المدى الأزرق منذ سنتين تقريباً، وهو الذي كان يحرص على الالتقاء بك بشكل أسبوعي قبل الحرب. كان يطمئنني عنك ويطمئنك عني، وأذكر آخر مرة التقينا مطولاً، كان لثلاثة أيام في ندوة نقدية دولية في كلية آداب جامعة حلب أواخر عام 2010، كنتَ لا تزال تفيض حيوية ومحبة، كما عهدتك أول مرة التقيت بك لعله عام 1986 في مبنى اتحاد الكتاب العرب سنة إصدار صحيفة الأسبوع الأدبي، وعندما علمت أنني من حمص مضيت تسأل عن الأحبّة: حنا عبود، عبد الكريم الناعم، ممدوح السكاف، مصطفى خضر، د. شاكر مطلق. وسألتني يومها متى قرأت لك أول مرة، فأجبتك على صفحات ملحق الثورة الثقافي في إصداره الأول في منتصف السبعينيات، ولما لاحظتُ استغرابك، أخبرتك كان شقيقي الأكبر يشتري الصحف لكن أنا الذي أقرأ الملحق، وضحكتَ عندما تابعتُ قائلاً نعم كنت أقرأ الملحق يومَ لم أكن أعرف ماذا تعني الكتابة ولا الصحافة ولا الشعر. وظللتُ مشدوداً لمقالاتك في العديد من الصحف والمجلات، ومنها هذه الصحيفة عندما ظللتَ سنوات تكتب فيها زاوية « آفاق ». وكنا نحتفي بك بحمص ضيفاً مميزاً على مهرجان الشعر العربي لرابطة الخريجين الجامعيين، نحتفي بك كنجم من نجوم الشعر والصحافة والأدب. في جلساتنا التي تعددت لم نكن نشعر بفارق السنين، كنا نضحك معاً، ونخفي الدمعة أحياناً أو نحاول معاً «معاكسة» امرأة خطرت من أمامنا في بهو الفندق. وإن كان بعض النقاد والشعراء قد أجمعوا على أن أجمل قصائدك هي في ديوانيك الأخيرين « شيء يخصّ الروح، البحث عن دمشق» لكنني أحب قصائدك جميعها على طريقة صديقنا الشاعر والناقد د. سعد الدين كليب،« عند شوقي بغدادي سوف ترى روائح الحارات القديمة وروائح البيوت وروائح الأحبة والخصوم، وكذلك روائح الشوارع والحدائق والأسواق العامة، وسوف ترى ما دقّ وما جلّ من كلّ ما يدقّ ويجلّ من شؤون صغيرة وعادية، وقضايا عظمى واستثنائية. يمزجها (بخلطته) الشعرية العجيبة، فتكون ممهورة بتوقه الجمالي وذوقه الفني: قطعة من حجر كريم أو خشب الزان أو الصفصاف، فوقها قطرة أو قطرتان من رائحة الحارة أو الحبيبة أو النارنج، مع حبة الهال وبضعة أنفاس ممزوجة بالآه والحلم ورقصة ستي. توضع كلّها في الإناء أو الحوجلة حسب الحاجة والرغبة، ثمّ ينفخ عليها الخيميائي من روحه ويخضّها خضّ عاشق ممسوس، فتكون القصيدة»
ولذلك لا أظنك يا شوقي قد رحلتَ، بل مضيتَ تبحثُ مُجَدداً عن دمشق التي ترغب!