وبقي لا نعرفُ له اسماً!!
مضى زمنٌ أمسى اليوم بعيداً على تلك الحادثة التي يطلقون عليها “مصادفة” حادثة جرت في بستان حمضيّات ذات صباحٍ لا يختلف عن كل صباحات الحقول الناعسة عند آخر خليج “مينة البيضا” على بعد حوالى عشرة كيلو مترات شمال مدينة اللاذقية..
في ذلك الصباح المُبكر من سنة 1928؛ كان ثمة فلاح ربما كان لا يزالُ يُغالب نعاساً وغبشاً يملأُ وجهه المُتعب عندما اصطدمت سكة محراثه التي يجرها ثوران ربما هما أيضاً لا يقلان تعباً ونعاساً عن صاحبهما، بمجموعة بلاطات كانت مصفوفة، تكاد تكون مُغطاة بالتراب.. يوقف الفلاح ثوريه عن الجر ليتبين حيلةً يُخلص فيها سكة الفلاحة العالقة، ومن ثم ليندهش الرجل بوجود قبرٍ مملوءٍ بالجرار الفخارية..
بطريقة ما؛ يعلم الفلاح الحاكم الفرنسي في اللاذقية (إرنست شوفلر) – حيثُ سورية حينها تحت الانتداب الفرنسي – والذي بدوره يُعلم مدير قسم الآثار في بيروت (شارل فيرولو)، وهذا بدوره – حسب ما تروي الباحثة الفرنسية مارغريت يون- يُراسل (ليون آلبانيز) في آذار 1928م الذي تعرّف إلى فخاريّات “ميسنيّة” وأرخها إلى المرحلة الأخيرة من عصر البرونز الحديث (القرنين 14و13 ق.م). ومن ثمّ أرسل الأخير تقريراً حول مُخطط المدافن وعينيّات من الفخار إلى أمين متحف الآثار الشرقية في متحف اللوفر في باريس (رينيه ديسو)؛ فبدا له الأمر من الأهمية بحيث أنه يستحق استكشافاً واسعاً، وحينها حصل من أكاديمية الكتابات القديمة والآداب على إعانات مالية، وكُلف (كلود شيفر) (1898م-1982م) بتشكيل بعثة أثرية، حيث سيكون له شأن كبير في اكتشاف مملكة عظيمة ستُغني أدبيات الآثار باسمها المحلي “تل رأس شمرا” أو (رأس الشمرا) كما يُعرف محلياً.. الذي هو مملكة أوغاريت..
ومنذ ذلك الزمن سيتردد على رأس الشمرا عشرات الأسماء، دونت أسماؤهم وأبحاثهم في أدق تفاصليها على مدى ما يُقارب مئة سنة.. فيما بقي صاحب الاكتشاف الأول مجهول الاسم والشكل، لا أحد يعرف له هيئة، ولم يُعرف كم عاش من السنين بعد تلك التي يطلقون عليها “مصادفة” وفي التأريخ تُروى الحادثة: “كان ثمة فلاح يحرث حقله فعلقت سكة الفلاحة بعدد من البلاطات، ليتبن له قبرٌ مملوء بالفخاريات..”، وهكذا يُنسى الرجل وكأنه دُفن في ذلك القبر وأهيل عليه التراب، وهو من كان المكتشف الأول!!
هامش:
………….
لأنكِ حبيبتي؛
إذاً ثمة
شبابٌ لا يشيب،
وقمرٌ لا يغيب،
و.. ربيعٌ لا يفنى.