الفلسفة على إيقاع حلم بعيد
على مدى آلافٍ السنين، يبدو فيها أنّ العقل العربي؛ قد أعطى لنفسه استراحة من التفكير، وهذا ما يبدو في تأخر هذه الجغرافيا التي يُقيم عليها “العالم العربي” في أن تُنجب فيلسوفاً بمرجعية عربية. كما فعلت اليونان أيام “إغريقيتها” على سبيل المثال، أو كما فعلت أوروبا على مدى القرنين التاسع عشر والعشرين على الأقل.. صحيح أن سورية القديمة، كان توفر لديها الكثير من الفلاسفة، لكن كان أبرزهم في عصرها الهلنستي، يوم كانت سورية منارة ثقافية للكون كله.. والثقافة الهلنستية –كما هو معروف- ليست ثقافة سورية صرفة، وإنما هي نتاج تمازج ثقافتين مُتجاورتين “سورية ويونانية” ومع ذلك هي سورية ، أي قبل ما يكون هناك ثمة وعي بالعروبة بآلافٍ من السنين السابقة.
هنا يخطر في البال، الكثير من الأسئلة عن حالة الجمود في العقل العربي، الذي لم يُقدّم للعالم فيلسوفاً حقيقياً، صحيح أن حركة الترجمة الفلسفة اليونانية نشطت خلال عهد الخليفة العباسي المأمون (786- 833م)، تأثر بها فيما بعد الكثير من العرب الذين قدموا أنفسهم فلاسفة، لكن الحقيقة كانوا دائماً بمرجعيات مختلفة، إن لم تكن فلسفتهم تعكس الفلسفة اليونانية، ومن الطريف أن نذكر باعث حب المأمون للفلسفة؛ الذي كان نتاج حلم، عندما رأى نفسه –كما يروي صاحب الفهرست ابن النديم– يُحاور أرسطو طاليس؛ الذي يسأله: ما الحُسن؟ وكان جواب الخليفة: ما حسُنَ في ثلاث: العقل، الشرع، وعند الجمهور.. هذه الفلسفة التي شكلت حالة عند الكندي والفارابي، وابن سينا في المشرق العربي، وعند ابن باجة، وابن رشد في المغرب العربي، ثم ليصحو الجميع على فلسفة الغزالي، ومن بعده كل من ابن تيمية وابن عبد الوهاب.. وضاعت “صوفيات وعرفانيات” ابن عربي، والسهرودي، والحلاج، والكثير من المفكرين في الزمن المُعاصر مثل: محمد شحرور، وأدونيس وغيرهما على الاصطدام بين الفلسفة والفقه، مرة في محاولة توافقها مع الفقه ، وأحياناً في مُجابهتها له.. والغريب أن العالم كله ومنذ الربع الأخير من القرن العشرين توقف عن إنجاب الفلاسفة، أو هكذا يبدو، فأي فقهٍ ينتصر اليوم، وأيُّ فلسفة تحيا؟
هامش:
………..
قبل أن توجِّه
رصاصكَ إلى صدري،
أو تغدرني من الخلف كأعرابيٍّ
في ليل صحراء القبيلة؛
انتبه
لن تحصدَ موسماً،
وأنا لن أخسرَ شيئاً؛
فأنتَ تقتلُ
خزّاناً هائلاً
من الخيبة والخذلان والحزن.