التشابه المُفرط!
ثمة سؤالٌ مشروع، وقد يكون طُرح غير مرة، ولاسيما خلال تكوّن أو تشكّل نوعٍ إبداعي جديد، أو قل هو ليس نوعاً جديداً كل الجدة، وإنما هو تفرّعٌ عن نوعٍ قديم، تماماً كما غصنٍ جديد انبثق عن شجرة عتيقة.. مناسبة هذا الحديث؛ تلك الإبداعات التي تتوهج اليوم في المشهد الثقافي على طول الساحة العربية.. ولاسيما في ظاهرة توهج النصوص القصيرة، التي اتخذت الكثير من التسميات في التجنيس والتصنيف، وإن كانت جميعها، وعلى تعددها تدخل ضمن إطار “الأدب الوجيز”.
والسؤال المشروع اليوم: هل يستطيع الكاتب أن يُبدع في مجال القصة القصيرة جداً؛ إذا كان لم يُجرّب سابقاً كتابة القصة القصيرة المُتعارف عليها؟.. هذا في مجال السرد، أما في مجال الشعر؛ هل يستطيع الشاعر أن يكتب الومضة، أو الشذرة، والتوقيعة، ومؤخراً الهايكو والهايبون والتانغا إن لم يستطع كتابة القصيدة بأشكالها السابقة التي أنتجت مثل هذه الأشكال الشعرية؟
ربما قد تكون طُرحت مثل هذه الأسئلة منذ ما يُقارب مئة سنة، ولاسيما في انعطافة القصيدة العربية التقليدية حينها، وأقصد بها الموزونة العمودية ذات القافية خلال انعطافتها صوب قصيدة التفعيلة أولاً، ومن ثمّ استقرارها إلى حدٍّ كبير في شكل قصيدة النثر، أو الشعر الحر.. بمعنى؛ هل يستطيع الشاعر أن يكتب قصيدة النثر إن لم يكن قد سبق له أن كتب قصيدة الموزون المُقفى؟ وأظن أنه تمّت الإجابة عن مثل هذا السؤال حينها، فشاعر قصيدة النثر إن لم يكن قد كتب العمودية سابقاً؛ فهو على الأقل تذوقها بما يكفي وعرف أنها استنفدت كل جمالياتها، ومن ثم لم يعد أمامها غير هذه الانعطافة.. في الانعطافة الجديدة اليوم في الشعر والقصة؛ فكلا الإبداعين لم يستنفدا جمالياتهما، وما كتب من خلالهما يؤكد أن الكثير من هذه الجماليات لم تُقدم بعد.. ربما شاعر أو قاص اليوم يكتب الأنواع الجديدة من دون أن يكون قد سبق له الكتابة فيما سبق، لكن الإجابة تقول إنه لن يستمرَ طويلاً، قد ينجح في بعض النصوص، لكنه سيجد نفسه بعد قليلٍ من الوقت أنه يكرر نفسه، وإلّا ما سّر هذا التشابه المُفرط في كل ما يُقال ويكتب اليوم من الأنواع الوجيزة وكأنها لكاتبٍ واحد، أو من ذات المُحترف؟
هامش:
نقّلْ فؤادَكَ
حيثُ شئتَ من تفاحٍ ورمانِ؛
ما الحبُّ إلّا للموسمِ الآتي.