شُركاء في الجريمة
تقولُ الأخبار «مَقتل شابة على يد شقيقها، أبٌ يقتل ابنته بسبب نصف كيلو ذرة، زوجٌ يُنهي حياة زوجته بِرصاصة في الرأس، طَعَنها لأنها لم ترد على اتصاله»، ولو بحثنا لدقيقتين إضافيتين فقط في أي صحيفةٍ أو موقعٍ إلكتروني، لَعثرنا على المزيد من الجرائم والانتهاكات المُسجّلة لدى فروع الأمن الجنائي في المحافظات، في حين إنّ ما يُسكت عنه في البيوت ومواقع العمل أكثر بكثير، بدءاً من الزواج القسري إلى الإجبار على الإجهاض وسرقة الميراث والتحرش الجنسي، وصولاً إلى جرائم ذريعة الشرف.
ردّات الفعل تجاه ما سبق، تبدو قوية للوهلة الأولى لكنها في الحقيقة لا تتجاوز التعاطف، تماماً كما يفعل أحدنا تجاه مستوياتٍ مُتعددة من العنف يشهد عليها يومياً، من بينها الصرخات المسموعة من بيوت الجيران، وما نعرفه عن صديقة أو قريبة استغفلها أحدهم في محل لتصليح الموبايلات، واستولى على صورها ومحادثاتها، وما سمعناه عن أخرى مُنِعت من زيارة الطبيب، وثانية سكتتْ عن التحرش لأنها لا تُريد أن تفقد مصدر رزقها، وثالثة ينتظرها زوجها نهاية كل شهر، ليأخذ راتبها عنوةً، وغيرهن كثيرات.
التعاطف على مبدأ «يا حرام.. مسكينة»، يتحول في كثيرٍ من الأحيان إلى شَراكَة في الجريمة، تشمل الصامتين والمُتفرجين والمُتسترين، وما أكثرهم، ومن ثم فالشَراكَة ذاتها تنسحب على من يرى في الفقر والوضع المعيشي الصعب مُبرراً للعنف الأسري المُوجّه من الأب والأخ والزوج والابن، وغير بعيدٍ عن هؤلاء، شركاء آخرون يُطالبون النساء المُعنّفات بالتحمّل لأجل الحفاظ على الأسرة والأولاد، بحجة أن الضرب والتعذيب والإيذاء سلوكيات طبيعية في مجتمعنا، ولو بحثنا مُجدداً، في ذاكرتنا هذه المرة، لعثرنا على المُجرمين حولنا!.
قبل عامٍ، وفي مثل هذا الشهر، قُتِلت «آيات الرفاعي» على يد زوجها ووالده ووالدته بسبب «مفك براغي» و«إبريق ماء ساخن»، وفي اعترافات القتَلة ضُرِبت ثلاث مرات بخيزرانة تملؤها المسامير، أتبعها الزوج بِضرب رأسها بالحائط خمس مرات حتى «صار الحيط يرج» حسب اعترافاته، ورغم هول الصدمة والتعاطف الكبير مُجتمعياً مع الضحية وعائلتها، لم يتغيّر شيء، ومازال العنف مُستمراً ضد النساء، ومثيلات «آيات» يتعذّبن ويُقتلن ويُنسين، ربما لو كانت عندهن جارة أو صديقة ترفض ما يتعرضن له، كما حصل في حكاية «آيات» لكُتبت لهنّ النجاة التي تأخّرت عنها.