الأعشاب البحرية استثمار المستقبل.. سوق تقترب من 95 مليار دولار.. سيطرة نسائية وصحوة متأخرة
لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام التحديات الاقتصادية والمعيشية ،ولطالما استطاع الإنسان أن يجد حلولاً تمكنه من الوصول إلى حلٍّ اقتصادي واجتماعي يلبي احتياجاته. واليوم نقرأ عن أرقام مخيفة في استثمار أعشاب البحر والذي تعمل النساء في استزراعه بنسب تتجاوز 90% ونقول لدينا شواطئ وساحل على امتداد الحدود الشمالية، فلماذا لا نخوض في هذا الاستثمار أسوة بنتائج مذهلة حققها الاستثمار الأزرق؟!
نقرأ في تجارب الآخرين كي نتعلم ونتدرب ونستثمر وفق ظروفنا واحتياجاتنا.
قد يبدو الأمر مستغرباً بعض الشيء، لكن عندما تعلم أننا نقف أمام صناعة على الرغم من تفاوت التقديرات بشأن حجمها الراهن، فإن أقلها تقديراً يشير إلى صناعة بقيمة عشرة مليارات دولار، بينما تقدرها مصادر أخرى بـ40 مليار دولار وسط توقعات أن ترتفع إلى 95 مليار دولار بحلول 2027، فسيكون من الصعب على الأهل التخلص من أعشاب البحر التي التصقت بأقدام أبنائهم بإلقائها بعيداً، أو تركهم يزينون بها قلاعهم الرملية.
في الصيف الماضي حقق اتحاد مزارعي بحر الشمال اختراقاً تكنولوجياً في مجال استزراع الأعشاب البحرية، فعلى بعد 12 كيلومتراً من الساحل الهولندي تم حصاد مزرعة أعشاب بحرية، الذي عد خطوة أولى مهمة نحو الزراعة على نطاق واسع لمزارع الأعشاب البحرية التجارية في بحر الشمال، إذ تمت تربية أعشاب البحر على شباك مربوطة بأنبوب بلاستيكي بطول 50 متراً يطفو فوق سطح الماء ومثبت في مكانه بوساطة عوامات وأمراس بحرية، بعد ذلك تم جذب الأنبوب وجمع الأعشاب البحرية العالقة بالشباك ووضعها على متن السفينة استعداداً لتصنيعها.
اتحاد مزارعي بحر الشمال يضم نحو مئة شركة من بينها شركات عالمية للأغذية والسلع الاستهلاكية وشركة شل للطاقة، عد تلك الخطوة بداية الطريق للاستزراع التجاري للأعشاب البحرية على نطاق واسع، على أمل تحقيق قفزات في الإنتاج من الأعشاب البحرية بحلول نهاية هذا العقد.
الدكتورة دورثي كلارك المتخصصة في البيولوجيا البحرية للمستحضرات البحرية، تشير إلى أنه يمكن تلبية إجمالي احتياجات العالم من البروتين من خلال زراعة الأعشاب البحرية في منطقة تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة البرتغال، وأنه توجد آلاف الأنواع المختلفة من الأعشاب البحرية حول العالم، لكن سبعة منها فقط يمكن – وفقاً لتقنيات المعالجة المتاحة حالياً- استخدامها، ومن بعض تلك الأعشاب البحرية يصنع اليابانيون الأوراق المجففة التي تغلف السوشي.
كثير منا يتعامل مع الأعشاب البحرية باشمئزاز أو تجاهل رغم أنها محصول مطلوب للغاية، فهي تستخدم كغذاء بشري وتضاف إلى علف الحيوان والأسمدة ويتزايد استخدامها في مستحضرات التجميل، وستلعب دوراً شديد الأهمية في العقود المقبلة لمواجهة التغير المناخي، حيث إنها تمتص ثاني أكسيد الكربون لتنمو وتساعد على تحسين جودة المياه وتخفض معدلات الحموضة في المياه. وقدّر العلماء أن الكائنات البحرية الساحلية والأراضي الرطبة تمتص خمسة أضعاف الكربون مقارنة بالغابات الأرضية”.
كما أنها توفر فرصة لتنويع عمليات الاستزراع البحري ومن ثم لا يقف الاستزراع البحري على الأسماك والمحار واللؤلؤ”.
من المؤكد الآن أن قدرة الزراعة على تلبية الطلبات الغذائية المستقبلية لسكان كوكبنا الذي بلغ قبل أيام معدودات ثمانية مليارات نسمة باتت محل تساؤل وشك، بسبب عدم كفاية الأراضي الصالحة للزراعة ونقص المياه العذبة، ووفقاً لدراسات علمية أجريت العام الماضي، فإن تطوير تربية الأحياء المائية يعد وسيلة واعدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتشير تلك الدراسات إلى أن تربية الأحياء المائية البحرية هي العنصر الأسرع نمواً في إنتاج الغذاء، إذ تنمو بنحو 7 في المًئة سنوياً متجاوزة بذلك معدلات النمو الإجمالي للزراعة التي تبلغ نحو 2 في المئة فقط، ومن ثم يتوقع أن تلعب تربية الأحياء المائية عامة وزراعة الأعشاب البحرية خاصة دوراً محورياً لتطوير القدرة على إطعام 9.7 مليارات شخص سيقطنون الكوكب بحلول 2050.
تلك التقديرات حول الأهمية المستقبلية للأعشاب البحرية تفتح الباب على مصراعيه لمنافسة متزايدة بين المنتجين الأكثر شهرة والمسيطرين على الأسواق حالياً وبين اللاعبين الجدد.
حيث تهيمن الدول الآسيوية على الإنتاج العالمي من الأعشاب البحرية، فتاريخياً كان شرق وجنوب شرق آسيا أكثر وعياً بأهمية تلك المنتجات، ولم يدرك الأوروبيون أهميتها إلّا متأخراً، فالأعشاب البحرية على سبيل المثال كانت تدفع لسداد الضرائب في اليابان، إضافة إلى تناولها في الطعام، اليوم الصين تهيمن على الصناعة وفي 2019 بلغ الإنتاج العالمي نحو 36 مليون طن، وجاءت 97 في المئة من تلك الكمية من آسيا، وأكثر من نصف تلك الكمية من الصين، ومن ثم يمكن القول إن الولايات المتحدة وأوروبا خارج المنافسة حتى الآن”.
لكن هذا لا ينفي وجود تجارب رائدة ومثيرة للاهتمام خارج آسيا ربما أبرزها في تنزانيا، فاستزراع الأعشاب البحرية صناعة واسعة النطاق هناك، وأصبحت مصدراً مهماً للغاية للدخل بالنسبة إلى النساء، حيث إن 90 في المئة من العاملين في مزارع أعشاب البحر في تنزانيا من النساء، وتعد حالياً ثالث أكبر مساهم في العملة الأجنبية في الاقتصاد الوطني، إذ تصدر إلى الخارج لاستخدامها في صناعة مستحضرات العناية بالبشرة ومستحضرات التجميل”.
لكن أوروبا والولايات المتحدة تأبيان أن تخرجا من هذا السباق الاستراتيجي، فاتحاد مزارعي بحر الشمال يهدف إلى امتلاك 400 كيلومتر مربع من مزارع الأعشاب البحرية في المياه الهولندية بين مزارع الرياح البحرية بدءاً من 2030، فإضافة إلى المساهمة الغذائية يمكن لتلك المزارع تجنب انبعاثات كربونية تصل إلى 1.6 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون.
يرجع هذا الاهتمام إلى النمو المتواصل لسوق الأعشاب البحرية كل عام، وعلى الرغم من أن مساهمة الأوروبيين في الإنتاج العالمي لا تزيد على 0.8 في المئة حالياً، فإن التوقعات أن تصل قيمة الصناعة إلى 95 مليار دولار، حيث تعمل على جذب مزيد من الشركات الأوروبية إلى استزراع الأعشاب البحرية، وتدعم المفوضية الأوروبية هذا الاتجاه، إذ ترصد حالياً 273 مليون يورو لدعم تلك الصناعة، وسط توقعات بمواصلة نمو الدعم الأوروبي للشركات العاملة في هذا المجال مستقبلاً.
مدير التسويق في شركة شور الاسكتلندية لاستزراع الأعشاب البحرية يشير إلى أن الأوروبيين استهلكوا ما قيمته نحو 840 مليون يورو من الأعشاب البحرية، ويتوقع أن يزيد استهلاكهم بين اثنين إلى ثلاثة مليارات يورو بحلول 2030، لكن المتوافر في الأسواق الأوروبية أغلبه من آسيا، ما يعني أن الشركات الأوروبية أمامها فرص واعدة محلياً.
فالمشكلة تتمثل في أن الأوروبيين ليست لديهم ثقافة في استهلاك الأعشاب البحرية كالآسيويين، ومن ثم زيادة الوعي الأوروبي بالأعشاب البحرية يمهد الطريق لنمو الصناعة، لكن مخاطر التوسع السريع أنه قد يستقطب رؤوس أموال ومستثمرين غير معنيين كثيراً بالبيئة.
ويضيف: “اقتصادات البحار أو ما بات يعرف بالاقتصاد الأزرق ستبلغ نحو ثلاثة تريليونات دولار بحلول نهاية العقد، والاستزراع البحري بما في ذلك الأعشاب البحرية المستزرعة سيكون العنصر الأسرع نمواً في صناعة إنتاج الغذاء العالمية، وهناك فرص كبيرة لمستثمري الاقتصاد الأزرق، حيث إن منتجات البحار مطلوبة بشدة”.
تعد مزارع الأعشاب البحرية صناعة حديثة نسبياً مقارنة بالدول الآسيوية، ولم تسفر أعوام الصناعة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عن تحقيق إنتاج تجاري، لكن المشهد بدأ في التغير منذ 2010، إذ بدأت الصناعة في تحقيق النجاح وذلك مع نمو القبول الشعبي لفكرة استهلاك الأعشاب البحرية، في ظل الإدراك المتزايد للفوائد الكامنة فيها، وبدأت تلك المزارع في اكتساب شعبية بحيث زاد إنتاج المزارعين.
مع ذلك تظل الكثير من الدول متخلفة عن المنتجين الكبار بمسافات كبيرة، فمعدلات استيراد المأكولات البحرية نحو 90 في المئة، وتصل في الأعشاب البحرية إلى ما يزيد على 94 في المئة.