ماتَ كالأبطالِ 

اجتمع موظفو مرآب سيارات التكسي، وعددٌ من الأقارب والأصدقاء، في يوم تأبين السائق «بروكوشيف»، جميعهم تحدثوا عن استقامته والتزامه وكيف مات كالأبطال، غير أنّ الرجل الذي عاش ومات من دون أن يكون لوجوده معنى، حتى بالنسبة له أيضاً، لم يكن ليُبالي بكل ما قيل، وبكل ما حدث أصلاً، ولو علِم بأنه سيرحل في ذلك اليوم، لما فعل شيئاً، بل ربما سار إلى حتفه بقدميه.

اللامبالاة، كما تحكيها الكاتبة فيكتوريا توكاريوفا «روسيا 1937 »، في قصة «الحب والرحلات»، حالة يعيشها ملايين البشر، ممن يُمارسون يوميات روتينية مُكررة، في البيت والعمل، فيتوهمون الحب والمُغامرة والأحداث الشائقة، في وقتٍ تُلاحقهم فيه خيبات الأمل والعجز عن تحقيق شيءٍ يستحق الكلام عنه، إلى أن تزول الحياة نفسها بمصادفة عبثية غير مُتوقعة، ولا نُبالغ لو قلنا إنها مُضحكة، لأن العجوز التي حاول السائق تفاديها واصطدم بحافلةٍ للسيّاح، ومات، تابعت مسيرها بلا أيّ التفاتةٍ.

تقول توكاريوفا على لسان السائق، وروحه تُفارق جسده «بسبب إحدى العجائز المُوغلة في العمر، التي يبحثون عنها في العالم الآخر حاملين الفوانيس، حطّم سيارةً حكوميّة، وحطّم صدره أيضاً»، هكذا ظلّ يُفكّر حتى فقدَ قدرته على التنفس، لكنه لم يكن غاضباً بقدر ما كان مُغتاظاً، ربما أراد أن يصل إلى إجابة عن السؤال الذي شغله سابقاً، أيهما أفضل زوجته الوفية والبدينة «لوسكا»، أم عاملة التنظيف الجميلة «رايكا»، وهل كانت الأخيرة ستخرج معه إلى السينما لولا أنها تزوجت فجأة، ومن يدري لو أنها تزوجته هو، لهربت عند أوّل فرصة، كما يفعل الجواسيس، وماذا عن زيارات حماته التي تترك شعرها في المشط والحساء، وابنته التي تمسح يديها بفستانها؟.

لم يحدث شيءٌ مما تخيّله «بروكوشيف» طوال حياته، فأُصيب باللامبالاة، إلى درجةٍ توقف فيها عن أخذ البقشيش من الركّاب، وعندما غدا كلّه لامبالاة، لم يعد يخلع ملابسه، صار ينام بالملابس نفسها التي عمل بها طوال النهار، وبعد أن استفحل الأمر، ظهرت تلك العجوز وانتهى الأمر، فهل كان بطلاً حقاً كما وصفوه؟، ولماذا يُفترض بنا أن نكون أبطالاً أصلاً؟، أحياناً الحياة لا تسمح لنا بأكثر من الأوهام.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار