«نادر السباعي»
“نادر السباعي”، علينا أن نحفظ الاسم، فمن يدري ما الذي يُخبئه لنا بعد عامٍ أو أكثر، ربما يُقدم لنا اختراعاً أو نظريةً أو حلّاً لمشكلةٍ ما، لكن ما نعرفه ونثق به بأن إنجازه كتاباً في الفلسفة “كرونولوجيا الأخلاق”، وهو طالبٌ في الثالث الثانوي العلمي في مدرسة المتفوقين في حمص، سابقة تستحق أن نُفرِد لها مساحاتٍ من النشر والاهتمام، تُوازي ما حظي به أطفالنا المُشاركون في تحدي القراءة العربي مُؤخراً، مع الإشارة إلى أن ما حققه السباعي جهدٌ فرديٌّ بالكامل، ومُبادرةٌ خاض غمارها مدفوعاً بحبه للفلسفة، وما تطرحه من أفكارٍ ومعارف وتساؤلات.
اللافت في إنجاز السباعي، اهتمامه أولاً في مجالٍ يقوم على الشك والتساؤل والنقد، ولا يستوي دونما تقبّل مختلف الآراء، ومن ثم حرصه الرجوع إلى بدايات تشكّل نظرياتٍ فلسفيّة تُعنى بالأخلاق، ومنها كانت المُفردة المُستخدمة في العنوان اختصاراً للتسلسل الزمني الذي مرّت به، ويبدو أن الشاب أدرك المأزق الحقيقي للمجتمع اليوم، حين أعاد الحديث عن القتل والسرقة والكذب، وما يُسمى الضوابط السلوكية والمعضلات الأخلاقية كالتي تُبرر الأفعال السيئة بغاياتها الحميدة، رافضاً ما يُقال عن جمود الفلسفة وبُعدها عن الحياة اليومية للناس، حتى إن مسألةً كالأخلاق تُرافقهم بدءاً من أصغر التفاصيل وأكثرها هامشيةً إلى المعقّد والمصيري.
استفاد السباعي من مكتبة البيت وتحفيز الأهل الذين احترموا اختياره وميله نحو الفلسفة، أيضاً من تشجيع مُدرّسة المادة التي دفعت بمُنجزه إلى لجنة مُختصة من وزارة التربية للتقييم، لكن طلّاباً آخرين، وهم بالآلاف، لا مكان للكتب في بيوتهم، عدا عن إنهم يصطدمون بردّات فعلٍ تستهين بقدراتهم واهتماماتهم، وبعضهم يُتهم بأنه سرق موضوع تعبير أو قصيدة، أو أنه استعان بمن يرسم له أو يُجيب بدلاً عنه، وربما تعرفون عدداً لا بأس به من هؤلاء، امتلكوا البذرة لكنها اقتلعت قبل أن تنمو، وزُرِعت مكانها ضحكاتٌ مُستهزِئة وعباراتٌ تُدين وتتوعد، في وقتٍ نحتاج فيه كل أمل، أيّ أمل، يُوحي لنا بأنّ هذا الوقت سيمضي، وسيأتي آخر ننهض فيه ولا نتوقف.