بطالة الأمس واليوم!
قبل سنوات الحرب الملعونة على بلدنا كانت البطالة تأخذ منحى مختلفاً تماماً عما أصبحت عليه الآن، فكانت بطالة الشباب الوافد إلى سوق العمل هي السائدة, كمٌّ هائل من اليد العاملة، مقابل فرص عمل محدودة بالقياس معها, وهذا الأمر شكل عامل ضغط على الحكومات المتعاقبة، وذلك لجهة تأمين جبهات عمل, وهذا الأمر كان في مقدمة أولويات البرامج الاقتصادية للحكومات, لا بل كان الهاجس الأكبر لها وخاصة القادم للتوظيف في مواقع العمل الحكومية!
وهذه مسألة كانت ملموسة من الجميع لاعتبارات مادية واجتماعية, وحتى شعور العامل بالأمان واستمرارية دخله مهما كانت الظروف، وكل ذلك هي مقومات لتأمين جبهات عمل، من خلال مشروعات استثمارية كانت ملاذ الحكومات لتطويق الكم المتزايد في سوق العمل، إلّا أن ذلك لم يكن بمستوى حجم الطلب، أو يتماشى مع ما هو قادم للسوق، فكانت الآلاف العاطلة عن العمل أغلبيتها من فئة الشباب، مقابل حلول أقل ما نسميها عاجزة.
لكن هذه النظرة وما تحملها من مفاعيل إيجابية أو حتى سلبياتها، فقد اختلفت وخضعت لتشوهات الأزمة الحالية، وحرب السنوات الماضية, وزاد الأمر سوءاً بعد تدمير آلاف المنشآت الصناعية والحرفية والخدمية, واستهداف مكونات الاقتصاد الوطني المولدة للدخل، وفرص العمل بصورة مباشرة، وحدوث انكماش كبير في هذا القطاع ساهم في تجفيف منابع الدخل وتوليد فرص العمالة المتجددة، والتي يمكن أن تكون حاملة لها في مواجهة التحديات، التي فرضتها ظروف الأزمة, أهمها حالة الانكماش الاقتصادي, وانهيار مستويات الدخل, وهجرة الشباب والكفاءات القادرة على العمل, وتقلص سوق العمل واقتصار العمل فيها على العمالة المعمرة غير القادرة على متابعة العمل وتعويض النقص الحاصل في مواقع الإنتاج الصناعي والزراعي, وحتى عمالة الخدمات الأساسية، والأهم ما ساهمت به الحرب الكونية من تفريغ سوق العمل للشباب بطرق مختلفة، ناهيك باختلاف اهتمامات الحكومات المتعاقبة وأولوياتها في معالجة تداعيات الأزمة على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة لجهة ما يتعلق بمعيشة المواطنين وكيفية تأمينها, الأمر الذي فرض وجود فجوة كبيرة لم تستطع معالجتها، أو وقف نزيف الشباب المهاجر أصحاب الكفاءات والخبرات ووصول سوق العمل إلى مرحلة العجز، وبقاء العمالة الهرمة خلف مواقع الإنتاج وهذه خاضعة للذوبان مع تقدم السنوات، والهجرة المتزايدة.
والسؤال: أين بطالة الأمس من بطالة اليوم, فهذه تحتاج حزمة من المحفزات المالية والإجراءات الإدارية لإعادة تفعيل سوق العمل واستقطاب عمالتها الوافدة، فهل تفعلها الحكومة وتنقذ هذه السوق من الانهيار؟
Isaa.samy68@gmail.com