مراجعة شفافة

المتتبع لمسيرة القطاع العام ومؤسساته الاقتصادية والخدمية وحتى الاجتماعية، ودورها قبل الحرب وخلال سنواتها التي شارفت على الدخول في عامها الثاني عشر، يدرك تماماً مدى قوة هذه المؤسسات وتركيبتها الإدارية والإنتاجية، رغم حالة التقصير وكثرة حالات الفساد، إلا أنها صمدت وحملت وزر الأزمة وتبعاتها، ومازالت مستمرة وسط حالة إرهاق كبيرة، نتيجة فقدان الكثير من مقومات البقاء، وندرة الموارد، لكن ثمة بصيص أمل مازلنا نراه في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب الكونية (وهذا أضعف الإيمان) والعمل على تطوير ما تبقى والوصول إلى صوابية العمل المؤسساتي وفق مقتضيات المصلحة والظروف ومحرك الإمكانات!

والثابت في الأمر أن فرصاً كثيرة تنتظر الجميع من دون استثناء في القطاعين العام والخاص (لمسك) زمام المبادرة والبدء بخطوات مهمة تعيد إلى الأذهان سنوات الوفرة والإنتاج الكبير والعيش الرغيد قياساً لما (يحصل الآن!) والعودة للدور المهم الذي كانت تحمله تلك المؤسسات، رغم ما اعتراها من ضعف وترهل قبل هذه الحرب، إلا أنها أثبتت قدرتها على مجابهة التحديات التي فرضتها الأزمة ومفاعيلها السلبية التي طالت كل المكونات البشرية والمادية وحتى عقول البشر وإدخال مفاهيم جديدة لا تتناسب مع طبيعة مجتمعنا!

وحتى نبني فرضية المستقبل وحجم الفرص الكبيرة، التي تنتظر فعاليات الوطن من رؤوس أموال وتجار وصناعيين وكفاءات علمية, لابد من مراجعة أقل ما نقول عنها شفافة لعمل تلك المؤسسات خلال الفترة الماضية، والتي نرى فيها متانة التأسيس والتي تعود لأكثر من خمسين عاماً كانت العمود الفقري لاقتصادنا الوطني، ورافعة كبيرة للحياة الاجتماعية, ومصدراً مهماً لزيادة دخول الخزينة العامة للدولة..

بالتالي كل هذه الأمور مجتمعة وغيرها مكنتها من الصمود في وجه حرب شرسة استهدفت بالدرجة الأولى تدمير مقومات الاقتصاد الوطني، وإفراغ تلك المؤسسات من كوادرها وخبراتها، وانعكاس ذلك سلباً على الأداء الكلي وفرض حالة الترهل واللامبالاة التي نعيشها اليوم، بالتوازي مع تدني مستويات المعيشة للأسر من دون تمييز ما بين ميسورة أو غيرها، وإيجاد جو عام يسوده الملل والضجر وقلة الحيلة في المعيشة وخاصة في صفوف العمالة المنتجة والتي تشكل القوة الضاربة في تلك المؤسسات..

والسؤال هنا كيف يمكننا الاستفادة مما تبقى من تلك المؤسسات وكوادرها وخبراتها ومكوناتها، وتسخيرها لخدمة الآتي في ظل ظروف نحن أحوج فيها إلى استثمار البشر قبل الحجر؟

حتى نحصل على إجابة واضحة وصريحة لابد لنا من عودة إلى الماضي وإجراء مراجعة شفافة، ودراسة معمقة لا نجامل فيها أحداً، ونضع الحلول المناسبة والاستفادة من تجربة خمسين سنة في عمل المؤسسات الحكومية، وغير ذلك لاشيء ينفعنا..

Issa.samy68@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار