هدر الفاسدين
أشيد طابقاً فوق الآخر على مدار أشهر .. وبين الغمز والإفصاح كان كل سكان الحي يتحدثون عن الشركاء الذين مكنوا تلك البناية الشاهقة من الصعود والوصول إلى الطابق الخامس في إحدى مناطق المخالفات بدمشق .
عندما يشاد أي بناء يعاني كل سكان الحي المحيط من الغبار والتلوث والضجيج الذي يعيشونه مع صاحب مشروع يتقاسم الملايين مع من يحمونه ويسهلون له البناء في تلك المناطق.
كل هذا ليس له أي حساب، وقد لا يكون مهماً أمام الملايين التي تهدر في استمرار البناء في مناطق لا تصلح للسكن الآدمي!
في أحد الصباحات استيقظ سكان الحي على أصوات ضجيج أعلى مما اعتادوا عليه خلال مراحل البناء، وعندما حاول بعض المارة عبور الشارع تبين لهم أن الطريق مقطوع.
يا للعجب هل وصلت الجرأة إلى هذا الحد؟ أيتجرأ الرجل على قطع الطريق أيضاً؟
لم يطل الوقت حتى تبين أن المحافظة جاءت بعديد من معداتها وموظفيها، ليمضوا يومين كاملين في الهدم مستخدمين مولدة كهرباء تمكنهم من قص الحديد والكسر والهدم في ” عز الحر”.
وعلى مدار يومين تضاعف الغبار والضجيج، على سكان الحي، والأهم تضاعفت الخسائر ليس على المستثمر فحسب بل على مؤسسة المياه بسبب المياه التي سفكت لإشادة هذا البناء، وعلى مؤسسة الإسمنت التي أنتجت إسمنتاً بشروط غير سهلة وذهب أدراج الرياح في هذا الهدم، وهدر في الحديد، وفي جهود العمال الذي أشادوا، والعمال الذين هدموا، والناس الذين ينتظرون تلك الشقق لشرائها بعدما دفعوا جزءاً من ثمنها.
كل هذه التكاليف والجهود هدرت لتبدو المحافظة بأنها تصرفت بعد وصول شكوى إليها! وكأنه لا جديد في الحياة عن عقود مضت!
هل يحق للمحافظة أن تعالج الفساد الذي يرتكبه كادرها بذات الطريقة والأدوات قبل عقود؟
هل يحق لأي جهة أن تساهم في مزيد من الهدر والتكاليف الضائعة في بلد يعاني كل هذا الحصار والغلاء والنقص في المواد؟
إذا كانت المخالفة التي “تفقأ عين الشمس” قد أشيدت، فما العبرة من مضاعفة الهدر عند تنفيذ الهدم؟
“والأوجع” في الأمر أنه وكما يحصل دائماً بعد أيام تم ترميم ما تعرض للهدم، لتكون النتيجة المزيد من الهدر بالفساد والفاسدين.