ما خطورة تحويل الشخصيات السلبية في الدراما إلى “أيقونات”؟!
نضال بشارة
اعتاد متابعو الدراما التلفزيونية أن يرددوا مفردات أو مواقف للشخصيات التي يعجبون بها في هذا المسلسل أو ذاك، وهذا شيء جيد يدل عن مدى تأثير تلك الشخصيات في المتفرجين، وهذا دليل على قدرة كاتب المسلسل في رسم تلك الشخصية، والأهم من ذلك على قدرة الممثل بإدارة المخرج، في إكساء الشخصية بما يلزمها من أداء، حتى تصبح مجسدة، بشكل حيوي وباهر للمتفرجين الذين سيقعون بفضل ذلك تحت سطوتها, وهذا ما هو مطلوب من الدراما في ما تقدمه من شخصيات إيجابية يفترض أن تنبّه المتفرجين إلى مآثرها الجميلة لتكون لهم قدوة، وتالياً يؤدي الكاتب وفريق العمل رسالة المسلسل كعمل فني, وأهم ما يلفت أنظار المتفرجين هو تلك “اللازمات” التي يرددها بعض الممثلين والممثلات، فهي تجعلهم أقرب وأحب للمتفرجين وتعيش في ذاكرتهم أطول فترة ممكنة, لكن ثمة كتّاباً وممثلين ومخرجين لم ينتبهوا إلى أن ما يجب أن يتوافر في الشخصيات الإيجابية ومن يؤديها، يجب أن لا يتوافر في الشخصيات السلبية، حتى لا تشكّل الأخيرة، خطورة على وعي المتفرجين ويتمثلون أفعالها.! إلاّ أن الممثلين والمخرجين، مع الأسف، لم ينتبهوا لذلك أيضاً.
إشعاع محبة
فأن يستحضر المتفرجون شخصية “أبو الخيل” التي جسدها الممثل فادي صبيح في مسلسل ” فوضى ” للكاتبين حسن سامي يوسف ونجيب نصير، وإخراج سمير حسين، ويستذكرون “لازمته” الجميلة التي تشع محبة “عمّنا”، يعد أمراً ضرورياً، لأن صاحبها شخصية إيجابية، ويريد من رسمها، تمثّل أفعالها في الطيبة والشهامة ومساعدة الناس، برغم عمله السري بأشياء ممنوعة، مع عمله المعلن بصيانة إطارات السيارات، والشخصية هي إعادة إنتاج بشكل أقل حضوراً وتحريكاً للأحداث لشخصية “عبود/ تيم حسن” في مسلسل الانتظار، كتأكيد من الكاتبين على أهمية هذا النمط من الشخصيات في المجتمع.
كارثة درامية
أمّا أن يستحضر المشاهدون شخصية “الطاعون” التي جسدها الممثل سلوم حداد في مسلسل “على صفيح ساخن” للكاتبين علي وجيه ويامن الحجلي، ويستذكرون كلماته ” أمورك” بمعنى أمرك، وعبارته الصاخبة ” أنا مع دارين”، فهذه ليست لصالح رسالة العمل. ومع الأسف لم ينتبه لذلك الكاتبان فقد أعاداها من خلال شخصية ” فوزان” التي جسدها مؤخراً الممثل عباس النوري في مسلسل ” مع وقف التنفيذ”، ولم يضبطهما في المسلسلين المخرج سيف السبيعي، بل سمح للنوري أن يعيد ويتفنن في تكرار ” لازمته”، التي أسرت المتفرجين “معي إنتِ”, فالشخصيتان يفترض أن ننفر منهما كمتفرجين، إذ إن لا وازع أخلاقياً يردعهما، يسرقان ويقتلان، يكذبان وينتهزان الآخرين، كما يشربان المياه، فلا يجب أن نُعجب بهما ونردد ما يرددانه من “لازمات”، لأن ذلك كارثة علينا وعلى رسالة دراما المسلسل, والشخصية السلبية ليس بالضرورة أن تكون قاتلة أو تبيع المخدرات، حتى يعرضها لنا صنّاع المسلسل بشكل منفّر، كما هي شخصية ” أبو كرمو/ عبد المنعم عمايري” في مسلسل ” على صفيح ساخن، الذي كان يبيع المخدرات داخل الحلويات، وكان على استعداد لارتكاب أي جريمة قتل لأجل مصالحه، وكانت متقنة درامياً وأدائياً، لكننا لم نعجب بالشخصية كمفترجين. كما في تلك المسلسلات كذلك في ” كسر عضم” فشخصية “هيثم/ كرم الشعراني” رددت ضحكته المميزة وعباراتها وتفنن وأعجب بها، كل من شاهدها، مع إنها شخصية سلبية وقاتلة ومخربة، وكذلك شخصية “الحكم/ فايز قزق” الذي رددت له الناس عبارة “هيثم تصرّف” التي تعني أن يقتل الاسم الذي كان محور الحديث. ومن دون أن نغفل عن الإتقان الذي كان حليف الكاتب والممثل ومخرجة المسلسل، حين رددت شخصية ” شمس/ نادين تحسين بك” لازمتها اللطيفة والجميلة ” ولا أهضم ” فهي بالمحصلة شخصية إيجابية عامة، رغم التحفظات عليها.
دفاع باطل
وربما يدافع عن أنفسهم كتّاب تلك الأعمال بأن مصير تلك الشخصيات كان عقاباً صارماً، أو مأساوياً، فنقول لكنه ليس على يد القانون فهذه ليست عدالة، فمصير الشخصية السلبية إما على يد القدر أو على يد القانون حتى يتنبّه المتفرجون، وليس على يد الأشخاص المتنافسين معهم. وإن كان لنا أن نستحضر شخصية كمثال فلنا شخصية تجسد الكتابة الدرامية الواعية للشخصية السلبية فهي شخصية “جساس” رغم أنها من التراث الشعبي، والأداء المتقن للممثل عابد فهد بتوجيه مخرج مسلسل ” الزير سالم”. خلاصة القول؛ أخطر ما تقدمه الدراما أن تجعل المشاهدين يحبون الشخصيات السلبية بل ويقلدون حركاتها ويرددون عباراتها، وهذا لا علاقة به بإتقان الممثل تجسيد الشخصية، من دون أن ينسى أن يجعلنا ننفر منها، وهو ما يفترض أن يتم الاشتغال عليه من قبل الكاتب والمخرج والممثل معاً في آن واحد.