فجأة أعادتني الذاكرة إلى أوائل الثمانينيات عندما تم تأسيس الشركة العامة للخضار والفواكه في أول حالة تدخل إيجابي خطتها حكومتنا آنذاك.. أذكر عندما دخل أبو علي شحادة إلى مركز الشركة يجر وراءه “الطنبر” وعليه عشرات صناديق الكوسا، وعندما علم أن سعر الكيلو بـ« فرنكين»؛ بدأ يرمي صناديق الكوسا يميناً وشمالاً وهو يتمتم كلمات غير مفهومة عن التدخل الإيجابي .. كنا حينها في المرحلة الثانوية، وبعد أعوام قليلة ظهر علينا الفنان أسعد فضة في فيلم (ليالي ابن آوى) للمبدع عبد اللطيف عبد الحميد وهو “يعفس” البندورة برجليه مردداً أيضاً: “بفرنكين”، والفرنكان كانا يساويان عشرة قروش، وهذه الفئة النقدية لا يعرفها من هو في العقد الرابع الآن ..
بعد نحو أربعة عقود تعود الصورة بشكل مختلف هذه المرة، وبزمن مختلف، لكنها تعبر عن حالة الظلم الذي يعانيه المنتج السوري .. ومع إنني أستهجن هذا الأسلوب في التعاطي مع مثل هذه القضايا، إذ كان بإمكان هذا المزارع أن يتصدق بهذه الكمية من الخيار للفقراء، أو أن ينزل ببضاعته إلى أي سوق للخضار ويقدم أيضاً الخيار للمستهلكين بأسعار رمزية أقل مما يباع في السوق، بالتأكيد في هذه الحالة سيترك إشارات استفهام كبيرة حول الحلقة الوسيطة بين المنتج والمستهلك، التي تأكل الأخضر واليابس.. هذه الحلقة المحمية بالمال والنفوذ.
من يتابع أسعار بيع المنتجات الزراعية في أسواق الهال، ويقارن بينها وبين أسعار المستهلك قد يجد مبرراً لـ “أبو علي” شحادة وأسعد فضة، وأبو الخيار.
لكن هذا الأمر تحول إلى معضلة محكمة الصناعة حيث لا تتمكن حماية المستهلك وكل أصحاب الشأن من فك الشيفرة المستخدمة في التسعير للخضار والفاكهة واللحوم والدجاج والبيض وكل الأساسيات التي يحتاجها المواطن .
بالتأكيد أن من يسعّر يكون قراره ملزماً للجميع .
أخطأ صاحبنا مع إننا لا نعرف هول صدمة السعر التي تعرض لها و أفقدته صوابه، لكن اللافت أنه حافظ على صناديق الفلين ولم يرمها في النهر، وهذه إشارة ربما لم يقف عندها البعض، إذ إن ثمنها يعادل ثمن ما بداخلها من خيار، وهنا تصبح الضربة موجعة، “فضربتان على الرأس” صعبة جداً أيها السادة!!!.