البحث المفقود
ما أوردته صحيفة “تشرين” خلال الأسبوع الماضي عن تفشي ظاهرة بيع وظائف وحلقات بحث للطلاب ومشاريع تخرج جاهزة ومعروضة للبيع وللبازار لطلبة الجامعات في التعليم الافتراضي أمر محبط يثير الكثير من الهواجس عن آثار ذلك على مخرجات جامعاتنا ومدى فاعليتها في تحقيق بناء وتنمية المجتمع والبلد، فالطالب غير القادر على إنجاز متطلباته التعليمية في الجامعة بالتأكيد لن يكون قادراً على الانخراط في سوق العمل، والأسوأ من ذلك أنه اعتمد على الغش في نجاحه.
والأمر لا يقتصر فقط على التعليم الافتراضي أو حتى على المرحلة الجامعية، بل هناك الكثير من الحالات حتى في دراساتنا العليا عندما يعتمد طلابها على غيرهم في إنجاز بحوثهم المفترض أنها تعكس عصارة سنوات التعليم الطويلة وتقدم مستواهم العلمي والفكري، كما أن الكثير من طلاب الجامعات يشعرون بالذعر عند تغيير نمط الامتحانات من النموذج الاختياري إلى النموذج التقليدي “الكتابي” لأن أسلوب بعض جامعاتنا في النمط الاختياري يفتح الباب واسعاً للحظ و”التشليف”، كما أن عمليات الغش و”التنقيل” فيه تكون أسهل بناءً على إشارات يتفق عليها الطلبة فيما بينهم..
لكن عند النظر إلى واقع أبحاثنا العلمية في الميادين النظرية والعلمية لا يمكننا أن نلوم الطلاب فقط، وإنما أيضاً الكوادر التدريسية بدليل أننا منذ سنوات لم نسمع “إلا في حالات نادرة” عن بحث تقدم به أستاذ جامعي يقدم حلاً أو يسهم في تبسيط مشكلة يعانيها اقتصادنا أو صناعتنا أو مجتمعنا، وتقتصر المساهمات على أوراق عمل بسيطة أو آراء إعلامية حول ظاهرة أو مشكلة معينة.
والأسباب في فقر بيئتنا الأكاديمية بالأبحاث المفيدة كثيرة نذكر منها؛ أولاً ضعف توافر البيانات والإحصائيات والأرقام اللازمة، حتى إننا نجد الكثير من الأبحاث المطروحة في جامعاتنا تدرس في الجانب العملي ما يحصل في دول أخرى عربية أو أجنبية، وكذلك فإن المردود المادي مقابل الأبحاث ضعيف جداً مقارنة بما يأخذه الباحثون في معظم دول العالم بما فيها الدول المجاورة، ومقابل الجهود الكبيرة التي يتطلبها البحث العلمي الجيد، هذا إضافة إلى عدم توافر الأبحاث من كبار الأساتذة في جامعاتنا والتي يمكن أن تشكل منطلقاً لأبحاث تحدث البيانات أو لأبحاث جديدة.
مشكلة البحث العلمي لم يقتصر أثر ضعفها على مستوى الجامعات فقط وإنما على أداء القطاعات الاقتصادية والخدمية التي تفرض الظروف الحالية والتطور التقني أن تكون مواكبة للأحداث وتتوقع المشكلات والصعاب قبل وقوعها، مع تأكيد أن هذا الضعف ليس بسبب قلة الكوادر المؤهلة لأن الطالب السوري في أغلب الأحيان يلفت الانتباه في معظم جامعات العالم بأبحاثه وإبداعه، والحل لن يكون أبداً بعقد المؤتمرات و ورشات العمل وإنما الانطلاق بشكل جدي ببناء بيئة جاذبة للبحث العلمي والباحثين بتذليل الأسباب التي ذكرناها وغيرها، فهل نحن قادرون؟..