عزاؤنا مع رشيد عساف
لم يكن “رشيد عساف” ممثلاً سهل التصنيف، لم يستغل حدثاً ليظهر بطلاً أو نجماً، كما فعل العشرات وما زالوا، لم يخرج في لقاءٍ ليهاجم ممثلاً أو مخرجاً أو مشروعاً، وما كان يوماً معنياً بمواسم الدراما بين تاريخية ومعاصرة ومشتركة، بقدر ما شغله حضوره، ولا نبالغ لو قلنا إنه كان سبّاقاً في التأسيس لما عُدّ في مراحل مختلفة، نوعاً درامياً قائماً في حد ذاته، فاكتسب صفة النجومية، دونما جريٍ وراءها في الإعلام، وحتى في إخفاقاته ومبالغاته كممثل، كنا نعود إلى شخصياتٍ أداها، ونستغرب، لنصل إلى نتيجةٍ واحدة: عليه أن يُعيد النظر في اختياراته، تحديداً تلك التي يقوم عليها مخرجون كبار.
عام 1984 غنّى عساف مع نجومٍ سوريين “يا موشّحة بثوب القصب” في فيلم “الحدود” بين “غربستان” و”شرقستان”، بعدها بأعوامٍ كثيرة، كان جزءاً من انقسامٍ آخر في مسلسل “الخربة”، في شخصية “أبو نايف”، بأداءٍ يستحق التوقف عند أدنى تفاصيله، في نبرة الصوت وطريقة الكلام واللهجة، في الظهر المحني والعَرج والمشية السريعة، معالم الوجه والجسد، براعة بلا تكلّف وقراءة للبيئة ككُل، خسرها الجمهور لصالح أداءٍ سهل في كثيرٍ من شخصيات البيئة الشامية، تورّط فيها، فلم يُقدّم لها وتُقدّم له، سوى القليل والمكرر، حتى لم تحتفظ ذاكرتنا بدورٍ له، عدا الصوت العالي والأداء الاستعراضي الشبيهين، بما قدمه فنانون آخرون.
ربما، كان على عساف أن يتريث في قبول ما يُعرض عليه، في نوعٍ درامي استهلكته النصوص الفارغة والإخراج التقليدي، لكن، بالتأكيد، وجب عليه التفكير مطولاً قبل مسلسله الأخير “صقّار”، كان أداؤه التمثيلي نمطياً للغاية، وصفه البعض بـ”المضحك”، والحق أنه كان مؤلماً إذا ما استرجعنا أعمالاً كـ”البركان” و”راس غليص”، ثم لم نفهم لماذا يعود عساف إلى دراما الصحراء، بشكلٍ تبدو فيها البداوة معزولةً عما يجري حولها في منطقتنا؟، كيف يُقدّم نجمٌ نعرفه أداءً مبهرجاً مُنفّراً؟.
البحث في تجربة عساف، يشبه فتح بابٍ، يُفضي إلى مزيدٍ من الأبواب، تتكرر فيها الأخطاء ذاتها، في مختلف الأنواع الدرامية، في التلفزيون والسينما، ولم نعد نستغرب “الردّة” التي تجرّه إلى مستوى لا يليق به بين عملٍ وآخر، عزاؤنا دائماً عودته ورصيده ومحبتنا.