إبداع درجة أولى
صحيحٌ أن بعض الأفكار، تبدو تُهماً وإداناتٍ، بحق مُقترفيها من الأدباء والفنانين، إذا ما اقترنت بالدلائل والشهود، لذا يتظاهر عموم هؤلاء بالترفع عن الخوض فيها، لكنها تحدث باستمرار، حتى إنها أصبحت تقاليد شبه مُلزمة، منها مثلاً اتجاه الرسامين الكبار للعرض في صالاتٍ خاصة، في حين تستقبل صالات اتحاد الفنانين التشكيليين ونظيرتها التابعة للمراكز الثقافية، المُصنفين درجة ثانية، وتُلغى التصنيفات في حالة المعارض الجماعية، ولو قفز سؤال على مبدأ : من قال عن هذا فنان كبير أو وصفَ غيره بالمُتواضع أو عديم الأفق فنياً؟، فالحقيقة أنّ الأغلبية الفنية قالت واتجهت، والدليل تعاطيها على هذا الأساس، للكبار لقاءاتهم واهتماماتهم ومُشاركاتهم، وللبقية الشيء ذاته، في أماكن وظروف ونقاشات مُختلفة.
تكريس أفضلية مجموعة أو أقليّة فنية، تظهر أيضاً في السينما والمسرح والمسلسلات التلفزيونية، وعليها يتم توزيع الأدوار والأجور والاهتمام، بالطبع هذه التقسيمات ثابتة ومُتفق عليها، ومن غير المقبول حدوث أي تبدّل أو خلخلة في ميزانها، مَن هم في المقدمة، سيبقون فيها، ومَن هم أقل شأناً، لا حيلة لهم. ولو قيل مثلاً، إنّ هذا الكلام، ادعاء أو افتراء أو مبالغٌ فيه، ذكِّروا القائلين بأسماء ممثلين من جيل المُؤسسين، أصبحوا «كومبارس»، وبعضهم لم يحظَ بهذه الفرصة، ذكِّروهم بأفلام ومسلسلات وعروض، حضروها كرمى عيون أصحابها، ثم همسوا “كم هي سخيفة”، ولا تنسوا أن تحكوا لهم عن أعمال أساءت واستخفّت واستهانت بنا كجمهور، صُرِفت عليها أموال، كان رميها في الطرقات أفضل.
الإجحاف المسكوت عنه ظاهرياً، سببٌ رئيس، في اتجاه البعض نحو المُشاركات الخارجية، لذلك، نسمع بأسماء نالت جوائز أدبية وفنية، في دولٍ أخرى، اختارت النأي بنفسها عن استجداء الاعتراف بما لديها هنا، أما الأكثر إمعاناً في التعسّف، ما يتهيأ لأصحاب المراتب الأولى، من إنهم فوق النقد، الإجماع على تفوقهم، مفروغٌ منه، ولو ظهرت أصواتٌ تعترض على مُنتجٍ ما لهم، لجاءت الردود، تبريراً وليس اعترافاً، وحتى يضمنوا استمرارية حصانتهم الإبداعية، ينحصر عملهم مع أسماء محددة، في تجمعاتٍ سُميت سابقاً بـ “الشللية”، يبدو أنها تسيّدت المشهد، إلى أن يتم التخلّي عن أخطاء “التقسيم” و”التنميط” المُجحفين.