“فنانات أوغاريت” مجموعة تحتفي بالفرادة!
تختار “فنانات أوغاريت” عادةً عنواناً تندرج ضمنه أعمالهن الفنية، في النحت والتصوير والغرافيك، لكنهن في معرضهن المُستمر في صالة “مشوار”، فضلن الانحياز نحو فرادة كلٍّ منهن، بعد عدة مشاركاتٍ جماعية، حملت اسم المجموعة المكوّنة من ست تشكيليات، لدى كلّ واحدةٍ تجربتها وهويتها، نستطيع القول إنّ المعرض إشارة إلى تفوق الأمزجة الخاصة، على حساب أي صبغة عامة، في المشهد التشكيلي المحلي، عبر 33 عملاً فنياً.
في التصوير الضوئي، عادت “بتول الماوردي” إلى التنويع بين الحالات والقيم اللونية، استمراراً لرسوماتها عن الطبيعة بأسلوبٍ انطباعي، فحاولت تبسيط الأشكال، واختصارها أحياناً، رغم المخزون الكبير الذي تقدمه الطبيعة لنا، وتُشكّله في دواخلنا، لكن الفنانة تعود إلى إحساسها وتقنيتها لترسمها كما ترغب، بالاعتماد على عجينةٍ لونيةٍ دسمة وألوانٍ زيتية، ساعدتها في إظهار التفاصيل كبقعٍ صغيرةٍ من التجريد، سرعان ما تندمج في الشكل الأوسع.
وفي مزيجٍ من التوثيق والذاتية، استحضرت “غادة حداد”، خان أسعد باشا في دمشق القديمة، بعمارته المهيبة وزخارفه العتيقة، بعد مشاركتها في ورشة عملٍ، استضافها الخان ثمانية أيام، يبدو أنها تركت أثراً كبيراً عندها، فرسمت لوحتين، وعادت لترسم ثلاثة، في إحداها “حَمَامات” يحلو لهنّ التجول عادةً بين الغرف والأدراج، وأبرزت أيضاً الملمس البازلتي الخشن للحجارة، باللونين الأبيض والأسود، مع ما كتبه زوارٌ سابقون من أسماء وتواريخ، على هيئة ذكريات، مزجتها مع قلقٍ وخوفٍ من الغد يعيشه أبناء اليوم، كأنها تُحيّد الحيرة أمام الاستمرارية القائمة في المكان.
في النحت، تُؤكد النحاتة “أمل زيات” على تكوينه من الكتلة والفراغ، بعيداً عن اختصاره بمجرّد السطح أو تقنيات الملامس، لذلك تعتني بالكتل المتوازنة والفراغين الداخلي والخارجي، وفي اشتغالها على الوجوه التعبيرية بشكل عام، كعوالم لا منتهية من الحالات الخاصة، تستخدم خاماتٍ مختلفة، وتُطوعها بالطريقة التي ترغب، ربما تفرض عليها ماهية الخامة أشياء محددة، لكنها لا تنقلها من وضعٍ إلى آخر، فقبل أي اعتبار، يجب أن يكون لدى النحات برأيها القدرة على إيصال فكرته بغض النظر عن الخامة.
في الحديث عن الخامات أيضاً، تختار النحاتة والمُدرّسة في معهد الفنون التطبيقية “يسرا محمد”، ما يُناسب المكان، فالكتل الضخمة من الحجر والخشب تحتاج مكاناً واسعاً، يُتيح لها إمكانية التحكُم ويستوعب ما يصدر عن العمل من أصوات ونفايات، وعلى ذلك، تمر أعمالها في مرحلتين، تبدأ الأولى بإظهار الكتلة الأساسية، ثم تقوم بتنظيف السطوح، والعمل على رسم المعالم التي تُريد، وهي المرحلة التي تُوظّف فيها الغرافيك لإبراز الخصوصية، كإبراز خطٍ معين، يفصل بين السطوح، وفي الحالة التعبيرية التي تُمارسها سواءً في البورتريه أو التكوينات أو النُصب أو غيرها، تهتم بتحديد البداية والنهاية لخطوطها، بحيث تُوصل المُشاهد إلى مكانٍ ما في الرؤية أو الفكر.
أيضاً في الأسلوب التعبيري، تقترب النحاتة “علا هلال” من الواقعية، القريبة للمُشاهد، في أرشفة الواقع بأحزانه وتقلباته ومُستجداته، فتأتي أعمالها عن الحب والسفر، مُجمل ما نعيشه اليوم، وبموازاة ذلك، تكون خاماتها تبعاً لأفكارها ورؤاها، أقرب للأسطورة والخيال، حرّة من قيود التقليدي والمُعتاد، في معظم منحوتاتها انسيابية وروحانية، إحداها تختار الفراغ “مخدةً” لها، والأخرى تحمل رأساً في حالة استجداء، رغم ما يبدو من مواجهة وألم، كل هذا يُعطي مُنتجها هويةً خاصة، قلّ العثور عليها في النحت.
بدورها “لينا ديب”، تشتغل بدايةً بالحفر على المعدن النحاس أو الزنك، ليصبح لديها “أختام”، محفورة يدوياً، تقوم بطباعتها، بألوان الطباعة نفسها أو الزيتي، ثم تمزج بين نتيجتي الرسم والطباعة، مستفيدةً من دراستها للحفر والغرافيك، وسعيها الدائم إلى إنتاج تكوينات تستقي مفرداتها من التاريخ الغني بحكاياته وشخصياته، كما تستعين بكل ما هو ممكن من خطوط ورموز، تجعل لوحتها مسرحاً حقيقياً.
ت: طارق الحسنية