طقوس الشتاء في ريف الساحل السوري

للشتاء في ريف الساحل السوري طقوسه الخاصة، فكانت المنازل الريفية القديمة المبنية من الحجارة والطين تضج حياة ومحبة رغم قساوة العيش، الباحث في تراث الساحل السوري حسن اسماعيل يتحدث عن هذا التراث الجميل الذي أصبح من الذكريات: إن التراث بشكل عام والذي يمثل سلوك المجتمعات هو بمثابة سلسلة لا تنقطع، وكل مرحلة من التاريخ تعد قاعدة لما يأتي بعدها، وامتداداً لما قبلها من دون أن تكون هناك فواصل بين السنين والأحقاب، من هنا لابدّ من الحديث عن أعمال الناس وسلوكهم في كل مجال من مجالات الحياة، في فصل الصيف والخريف قبل التحدث عن طقوس فصل الشتاء .
في أواخر فصل الصيف، و إذا نظرت لسطح أي منزل ترابي في أي قرية من قرى ريف الساحل السوري فسترى (القمح والذرة والحمص والعدس وثمار التين والجوز وحب البطم والبازلاء والبندورة المملحة والخرنوب والزعتر …. ) بالإضافة إلى أنواع من الأعشاب والأزهار البرية، وكلها بقصد تجفيفها تحت أشعة الشمس، وكان أغلب الأهالي يقيمون الأكواخ على الأسطح لمراقبة محاصيلهم وحفظها، ومن هذه المحاصيل يتم تصنيع وتخزين مؤونة الشتاء لكل أسرة، فالبيت (الجواني) بيت جمع المؤونة، ولكل محصول مكانه المخصص، فالحبوب في العنابر والزيت والزيتون في الخوابي، والمربيات والعصائر والمخللات في أوانٍ فخارية أو معدنية، وما تم تيبيسه في أكياس القماش الأبيض، ومعظمها يضاف إليه الملح لحفظها لمدة أطول .
وكان جمع الحطب من الأعمال المهمة التي ستوفر لهم الدفء والطبخ والخبز على التنور، وكان الحطب يفرز على ثلاثة أنواع ( القرامي – الزنود – الحماية ) فالقرامي تقلع من الأرض، والزنود وهي أغصان الأشجار تكون بسماكة زند الرجل، والحماية الأعواد الناعمة التي تحرق في التنور عند تحضير الخبز، وجمع الحطب يتم في فصل الخريف بعد جني المحصول، وتقليم الأشجار المثمرة وتترك لكي تجف قبل دخول الشتاء ، ولا ينسى الإنسان الريفي مؤونة المواشي من بقايا المحاصيل (التبن والشعير والحشائش المجففة …) وحفظها بغرف خاصة تسمى (المتبن ) بعيداً عن الرطوبة وبجوار زرائب المواشي .
ومع قدوم فصل الشتاء تعمل الأسر على فرش اللباد (بساط صوفي ) لأرضية المنزل واللحف السميكة، والأحذية المتينة المصنوعة من البلاستيك ( الغوما )، وعندما يسقط المطر وتسيل السواقي يبدأ عمل طواحين الماء، التي كانت تدار بواسطة الشلالات المائية المتساقطة من أعالي الجبال عبر السواقي ، ومعها يأخذ أهل القرية مؤونتهم من القمح والذرة لطحنها قبل أن ينتهي فصل الشتاء، وتجف السواقي وينقطع سيل الشلال ، وداخل البيوت كانت النسوة تملأ أوقات فراغها بغزل الصوف، وصناعة المناديل الحريرية، من شرانق دودة الحرير وتطريز المخدات والعراقي( القبعات ) والثياب وصناعة أدوات المطبخ مثل (الجميم – والأطباق ) من قش القمح، ويعمل الرجال على غزل الحبال والخناقات من شعر الماعز، واللبابيد من صوف الغنم، إضافة لصناعة السلال من عيدان الريحان، وصناعة أدوات الحراثة والمطارق، وغيرها من أشجار السنديان والبلوط .
وبعد أن ينتهوا من أعمالهم اليومية يطيب السهر حول مواقد الحطب، التي تتوسط ( الصيباط ) أرض البيت الترابي، وفوقها في السطح (الروزنة ) لخروج الدخان، وكانت في كل قرية بيوت محددة للاجتماع وقضاء السهرات العامرة بالغناء الشعبي ( دلعونا- الميجانا – أم الزلف …) من أصحاب الأصوات الجميلة، والفروقة التي تقص حكاية قصيرة على شكل أغنية، أو قصيدة ومنها حوارية جميلة ما بين شاب وصبية تقول :
يم المنديل الصيني جرحتي القلب داويني
من بعدك ماني مسكين وأنت عيني اليميني
والوعد بأول تشرين بيك قايل يعطيني
يأتي الرد :
ياعين عيني شو حالك لا تجن طول بالك
وحياة بيي كرمالك بستنى عشر سنين .
وبقي أن نذكر روزنامة الشتاء التي يعتمد عليها الفلاح لزراعة أرضه، وتبدأ من أواخر أيلول، وتحديداً عند سقوط أول (ري) أي سقوط المطر، ليبدأ الفلاح بزراعة أرضه من الحبوب، ويحسب عمر القمح اعتباراً من تاريخ أول مطرة، وبعد 20 كانون الأول تبدأ أربعينية الشتاء .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار