قوافل الحالمين
علّمتني التجربة، كلّما كان الحديث عن نشاطٍ سينمائيٍّ ما، أن أتقبل ذلك التباين غير المُحبب أبداً، بين الكلام عن النتيجة، والنتيجة ذاتها، ولنقل أيضاً، إنّ التوقعات بمشهدٍ سينمائيٍّ فيه شيءٌ من التنوع، مبالغٌ بها، مادام الوضع القائم منذ أعوام، مستمراً، ربما علينا أن نُكيّف أمنياتنا على مزاج المؤسسات الثقافية ورؤيتها، وعلى ذلك لا معنى لأي توقع أو مُطالبة.
بالأمس، خرّجت المؤسسة العامة للسينما الدفعة السادسة من طلاب دورة (دبلوم العلوم السينمائية وفنونها)، في دار الأوبرا. تذكرت يوم زرت سينما الكندي قبل ثمانية أعوام، والتقيت طلاب الدفعة الأولى، والمخرج الراحل ريمون بطرس، كان يعرض فيلمه (الشاهد) كنموذجٍ لرؤيته في تدريس معارفه عن السينما، وفي الأوراق المعلّقة على باب الصالة، أسماءٌ لسينمائيين آخرين شركاء في تدريس الطلاب.
بعدها بأشهر غادر هؤلاء، والتحق بالدبلوم آخرون متحمسون، أنجزوا جميعهم أفلاماً تدريبية ترجمةً لما تعلموه، في المقابل تغيّرت أسماء المدرّسين، وتوالت حفلات التخرج، ثم ماذا؟، لا شيء.
ربما اتجه البعض نحو التلفزيون أو غادروا البلد أو بحثوا عن فرصةٍ ما للعمل في ميدان السينما، لكنهم لم يجدوها، فعادوا إلى حيث كانوا قبل نيلهم شهادة من المؤسسة العامة للسينما، يحلمون لا أكثر.
في لقاءاتٍ كثيرة مع فنانين مخرجين وممثلين وغيرهم، يتحسّرون ويُطالبون بجهة أكاديمية سينمائية، حين نقول لهم: لدينا “دبلوم العلوم السينمائية وفنونها”، فتختلط إجاباتهم بين من لم يسمع به، ومن يُشكك بالمهارات التي يُقدمها للطلاب، ومن يعترض على الفترة الزمنية المُخصصة له، مفضلاً تسميته ورشةً تعريفية بالسينما.
في المحصلة ألا يعني كل ما سبق، أنّ الدراسة الأكاديمية على أهميتها لرفد السينما بدماءٍ جديدة، كأيّ فنٍ آخر، ليست هي المطلب لتحريك المشهد وتجاوز إشكالاته، في مقدمتها اللون الواحد لكثيرٍ من الأفلام، بحيث لو وضعنا اسم مخرجٍ مكان آخر، لما شعرنا بفرق، ومن ثم قلّة الإنتاج وتكرار الأسماء والأفكار؟.
على بعد أمتار من حفل تخرّج الأمس، التحق متحمسون آخرون بالمعهد العالي للفنون السينمائية، جهة أكاديمية أخرى، تُضاف إلى الدبلوم ومشروع دعم سينما الشباب الذي أطلقته المؤسسة منذ أعوام، بالطبع سيتخرّج هؤلاء ليأتي غيرهم، وهذا ليس تقليلاً من شأن المؤسسات الأكاديمية أو الراغبين بتطوير مواهبهم وقدراتهم، لكنّها أمنية ألّا يلتحقوا بقوافل الحالمين بنصوصٍ وأفلام، تحمل أسماءهم وأفكارهم إلى جمهورٍ يُشاركهم الرغبة بشيءٍ من الجدّة والتنوّع.