عن كتابٍ لم نقرأه
لم يعد الحديث عن كتابٍ لم نقرأه، كذباً، سيضع صاحبه في موقفٍ محرجٍ، فيما لو كشفه آخرون قرؤوا ذلك الكتاب، والمبرر تسوقه عشرات المقالات في تصنيفات وأبواب، تُعطي قارئها إشاراتٍ ونقاط علّام، لتنقذه في النهاية من اختبارات الثقافة التقليدية “هل قرأت الكتاب الفلاني، كيف لم تقرأ ما صدر منذ أعوام وتداوله المئات، إذاً أنت لا تعرف الكاتب المشهور صاحب الكتاب الرائع؟!”، لتأتي الإجابة بناءً على شكلٍ جديدٍ للقراءة، يُقارب التصفح أو محاولة فهم أسلوب الكاتب ومقدرته على التشويق والإثارة، بالاطلاع على ما كتبه الآخرون عن كتابه سواءً كان رواية أو ديوان شعرٍ أو غيره، أو الاكتفاء بقراءة الصفحات العشر الأولى والقفز مباشرة إلى العشر الأخيرة، والتنبؤ بما بينهما!.
يبدو الأمر تحايلاً أو خداعاً لا معنى له، لكن يصح أن يكون أيضاً، حلاًّ، أمام التدفق الهائل لمختلف أنواع الكتابة من حولنا، فلا يمكن لأحدٍ أن يتكهن بأعداد الشعراء المحليين في الموقع الأزرق، هل علينا أن نقرأ كل ما يكتبه هؤلاء يومياً حتى نحكم على إنتاجهم؟، الأمر ينسحب على كتّاب القصة القصيرة وجاراتها في القصيرة جداً والهايكو وما شابه، بالطبع لا يمكن إهمال الروايات الجديدة العربية والعالمية، تحديداً تلك التي ترشحت وفازت بجوائز لها وزنها، وبطبيعة الحال، الكثير من المنشورات في “فيسبوك”، وأحدث ما أصدرته كبرى دور النشر، وما جاء في الصحف، على الأقل ما يهمنا فيها، ناهيك بالكتابة التي تحتاجها لتفهم كيف تستخدم آلةً ما أو تلك المرافقة للأدوية مثلاً.
تباين الاهتمام والجدوى في قراءة ما سبق، يُعطي القراءة مواصفاتٍ تمزج بين الخاص والعام، فما يشغل قارئاً اليوم، لا يعود كذلك غداً، وما يُعلي النقّاد شأنه، ربما لا يجد اهتماماً يُذكر لدى قارئ ما، وما ينفد من المكتبات سريعاً، ليس مميزاً بالضرورة لي أو لكم أو حتى لصاحب المكتبة. إذاً، لا معايير واضحة أو ثابتة في معادلة القراءة والكتابة، وهي ليست هلامية أو وهمية بالمقابل، في حين أنها تخضع دائماً للزمن، للجديد والمفروض في يومياتنا، بمعنى أنّ اجتماع الشعراء في سوقٍ ما اليوم لإلقاء الشعر، سيبدو نكتةً مضحكة لمجرّد تخيلها، هذا يشمل ما سيقولونه وكيفية استماعنا لهم. في النتيجة التبدّل اللامنتهي في الحياة، والكتابة وجهها الأول والأجمل، يحتاج أساليب جديدة للقراءة.