سورية والحرب العالمية الجيوسياسية الحالية ؟!
تشهد القوى العالمية الكبرى تبايناً في وجهات النظر حول كيفية إدارة العالم والاقتصاد العالمي وبما يصبّ في خدمة مصالحها، هذا التباين تطور إلى خلاف ومن ثم صراع وبعدها أزمة فهل يتطور إلى حرب تحت شعارات سياسية لكن جوهرها اقتصادي؟
الوضع الدولي الحالي لا يسمح لأي من الدول الكبرى أن تشن حرباً لأنها تعني النهاية للجميع بسبب امتلاك هذه الدول ترسانة نووية قادرة على تدمير العالم بأكمله، وقيادات هذه الدول تعرف ذلك، وقد يكون هذا سبب اجتماع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تمتلك حق (الفيتو VETO ) وهي (أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا) بتاريخ 3/1/2022 وإصدار بيان مشترك يتضمنّ منع الحرب النووية والتسلح النووي بين الدول المالكة للأسلحة النووية بما فيها (الهند وباكستان) وأيضاً الكيان الصهيوني الذي يمتلك حسب دراسة للمعهد الدولي لدراسات السلام ومقره السويد /90/ رأساً حربياً نووياً في سنة /2021/ وفي رأينا أن هذا الاتفاق أتى تحت ضغط ما يدعى (توازن الرعب) لكن السؤال: هل هذا الاتفاق يعني انتهاء الحروب في العالم؟
برأيي أن الحرب الباردة لا تزال مستمرة ولم تتوقف، وأن العالم الآن أنهى مرحلة القطبية الأمريكية الأحادية، لكن الحرب لأمريكا تعني خلق مزيد من الثروات ، ولن تتوقف عن شن الحروب لضمان سيطرتها واستنزاف الخصوم بشكل مباشر وغير مباشر، وستكون هذه الحروب تحت تسميات جديدة وليست أيديولوجية (شيوعية وإمبريالية أو اشتراكية ورأسمالية…الخ ) بل ستكون بين تحالفات قد تختلف سياسياً أو في النظم السياسية لكن لها مصالح اقتصادية متطابقة أو متقاربة، وهنا ستتحول طبيعة الحروب وبحكم ضرورة توازن الرعب إلى خلق حروب وبؤر توتر في أماكن معينة تتمتع بموقع جيو-سياسي متميز لتكون مصدراً لتأمين متطلبات النمو الاقتصادي وسوقاً استهلاكية واسعة للقوى الكبرى.
وفي رأينا ستعود بعض النظريات الجيوسياسية الماضية وستظهر نظريات جديدة لترسم معالم الحرب الجيوسياسية الجديدة التي ستبدأ بشكل جدي مع بداية سنة /2022/ ونذكر من هذه النظريات نظرية العالم الألماني فريدريك راتزل أواخر القرن التاسع عشر، و نظرية البريطاني هالفورد جون ماكندر أوائل القرن العشرين وغيرها.
ركز راتزل الذي يعدّ من أوائل من بحث في الجغرافيا الاقتصادية على أن الدولة هي كائن عضوي يتمدد لتلبية احتياجاته وضمان سيطرته، لذلك أوجد مصطلح (الحدود البيولوجية) مقابل (الحدود الثابتة) والمقصود بالحدود البيولوجية؛ توجه دولة ما نحو استخدام القوة لقضم دول أو مناطق منها وبعد ذلك تتمدد حدودها حتى تؤمّن مصالحها كما عملت بريطانيا وفرنسا وأمريكا والنازية والكيان الصهيوني.
بعد هذه النظرية جاءت نظرية ماكندر الذي عدّ أن العلاقات الدولية تقوم على أساس المواقع الجغرافية للدول، وركز على مصطلح (الجزيرة العالمية) منطلقاً من آسيا وأفريقيا وأوروبا لأنها أرض متصلة ومساحتها كبيرة ومحوطة بالمياه من كل الجوانب وغنية بالثروات.
أطلق ماكندر على نظريته اسم (قلب العالم Hart Land) منطلقاً من أن للعالم قلباً ومن يسيطر عليه يسيطر على العالم. وفي رأيه توجد جزر أخرى تحيط بقلب العالم مثل الأمريكيتين وأستراليا واليابان وقال: إن أكثر مناطق العالم حصانة أمام أي هجوم هي مناطق البرّ الداخلية في هذه الجزيرة العالمية والتي تمتد من سهول آسيا إلى باريس، وتضمّ شرق ووسط أوروبا وروسيا وحتى حدود الصين، وهي منطقة متماسكة وغنية ومحصّنة بالبحار من الاعتداءات، ومن يسيطر عليها يسيطر على الجزيرة العالمية والجزر الأخرى، وفيها أهم البحار والمحيطات ومصادر المياه التي تغطي /75%/ من الكرة الأرضية و/25%/ لليابسة.
وبرأينا فإن هذا ما يفسر عودة دراسة نظرية ماكندر في مراكز البحوث العسكرية الأمريكية، ووضع خطط لإنشاء الدرع الصاروخية في آسيا لحصار روسيا والصين، وهذا يفسر الاحتلال الأمريكي لمناطق في سورية ولأسباب جيوسياسية وغيرها ومنها: (تمسك سورية ببند السيادة الوطنية ومقاومة المشاريع الصهيو- أمريكية .. موقعها بين القارات الثلات القديمة.. قربها من مصادر وممر الغاز الخليجي .. بوابة ساحلية للقارة الآسيوية لإضعاف المحور الأوراسي .. قطع الطريق أمام محور المقاومة.. موقعها على البحر الأبيض المتوسط وشمال فلسطين وبالقرب من العراق والخليج العربي وإيران .. وجود ثروات متنوعة من طبيعية وبشرية وتاريخية…الخ )
كل هذا يؤكد أن موقع سورية الجيوسياسي (محنة ومنحة) ليس لسورية فقط بل لمحوري (المقاومة ومواجهة الإرهاب) وهذا ما يفسر لماذا الحرب الدولية الجيوسياسية الحالية تركزت وانطلقت من سورية، فهل حان الوقت لتحريرها من كل القوى الاحتلالية لضمان أمنها وأمن محور المقاومة.