الكتابة في سجل الزيارات
لا تُحسب الكتابة في سجل الزيارات، الموضوع على طاولة الاستقبال في الفنادق عادةً “كتابةً” من النوع الجاد، لذا تبدو استعاراتها من قبل أديبٍ ومترجم بحجم البرتغالي “فرناندو بيسوا” مُفاجئة، وإن كانت في الوقت نفسه اعترافاً من النوع الذي يُدلي به المرء لنفسه قبل الآخرين.
يقول بيسوا: “أكتبُ كما يكتب نزيل فندقٍ مغادر في كتاب الزيارات، إن بدا ما كتبته ممتعاً للنزلاء فهذا حسن، وإن لم يقرأني أحد، أو فشلت في إمتاع أحد، فهذا حسنٌ أيضاً”.
الرضا تجاه ردود أفعال القرّاء وتقبُلها ليس بالأمر الهين، وقبل ذلك ليس مفهوماً دائماً، وإلا فما جدوى الكتابة وغايتها، إن لم يكن هناك من يتلقفها ويتعاطى معها، ليكوّن عنها انطباعاً أو حكماً؟، لكن ألّا يقرأنا أحد، فهي إشكالية أكبر مما تبدو عليه، بدءاً من القدرة على الكتابة أصلاً، واستحقاق القراءة، ومن ثم النشر والطباعة، مع التسليم بأنّ كثيراً مما يُكتب ويُنشر ويُطبع هزيلٌ وفارغ، يصلح هدايا شخصية أكثر منه كمُنتجٍ معرفي.
يُؤمن عددٌ من الكتّاب بالشراكة الضمنية للقارئ في تفسير المحتوى المُقدّم إليه، استناداً إلى عوالمه الخاصة، تالياً قراءاتٍ وآراء مختلفة لما تمت كتابته، ويعبّر هؤلاء عن إيمانهم بصحة كلُّ الانطباعات الواصلة إليهم بالتأكيد على أنّ ما يُنشر، يصبح مُلكاً للجمهور، أحبّه أم غضب منه، قرأه بحيادٍ، أم مُضمرٌ رفضاً مسبقاً، وعلى ذلك فالكاتب غير مُطالبٍ أصلاً بتصحيح الخاطئ من تلك الانطباعات، بل هو غير قادرٍ على توضيح ما يُفترض أنه واضحٌ وبيّنٌ قبل إشهاره للآخرين.
لكن، كيف لنا أن نقيّم ما لا يرد إلينا رأيٌ حوله؟، ننشر ونُروّج وننتظر، أم نتخلى عن الانتظار لصالح النتيجة التي تنطوي عليها مقولة “بيسوا”؟. وإن كان السكوت عادةً علامة للرضا، فهو هنا علامة ذعرٍ، تستوجب من أي كاتبٍ، صحفي أو ناقد أو شاعر، إعادة النظر والبحث فيما قدّم وينوي تقديمه، كيف نستفز القارئ الصامت واللامبالي، ماذا نقول لمن يقرأ ويتجاهل؟.
مرّةً، طالبَ قارئٌ بمزيدٍ من الاهتمام والمتابعة لارتفاع الأسعار، المشكلة فقط أن تعليقه هذا، وردَ على مادةٍ صحفيةٍ ثقافية، في حين أنّ المواد المكتوبة عن الاقتصاد، تتلوها مباشرة.