بين الصديق والطبيب
تُقارن أبحاثٌ طبية بين «الفضفضة» إلى صديق وبين زيارة طبيبٍ نفسي، وترى بعد دراسة النتائج أن الأصدقاء غالباً ما يُسدون نصائح مجانية من باب التعاطف والمواساة، من دون أن يستند كلامهم معظم الأحيان إلى مبادئ أو ثوابت منطقية وصحيحة. كما أن النقاش معهم، وهو مصدرٌ للراحة لا شك، لكنه ربما يكون سبباً بتفاقم المشكلات وتردّي الحالة النفسية.
أمّا في زيارة الطبيب النفسي فالأمر مختلفٌ تماماً، صحيحٌ أنتما لستما صديقين، بالتالي هو لا يعرفك كما أصدقاؤك، لكنه يعرف كيف يُحيِّد أحكامه الشخصية، ليفهم ويحلل ما تمر به من مصاعب بناءً على طرق علاجية وعلمية، تُساعده ليفهم طريقة تفكيرك، ومن ثم مساعدتك لتتجاوز أخطاءك وتفهم نفسك بدل معاقبتها أو ازدرائها.
الفرق بين الحالتين، ينطلق مما يُسمى «الاستماع التفاعلي»، أي إنصات الطبيب النفسي إلى ما تقوله باهتمامٍ شديد، يظهر في أسئلته وتعليقاته، وهي تختلف عن آراء الأصدقاء ومُسايرتهم، وفي منتصف المسافة تماماً يأتي الحديث إلى صحفي، لاسيما ممن يعرف كيف يتحول إلى صديق، وبشكلٍ أكثر دقة «صديقٍ مُؤقت»، يستمع بتركيز للطبيب، ويعرف أين عليه إعادة السؤال.
ولأنّ الأمر فيه من المسؤولية ما يفوق المُتعة والشعور بانتصارٍ وهميّ، نقف دائماً أمام اختبار حفظ الأسرار، فشرطَ ألّا ننشرها يحكي لنا من نلتقيهم كصحفيين أسراراً ترقى إلى مرتبة «الفضائح»، أحدهم أخبرني كيف سرق أوراقاً من مكتب زميله، بينما لفّق آخر أكذوبةً على لسان صديقه ليأخذ مكانه في مشروعٍ فني، ناهيك عمّن تورطوا في إساءاتٍ ومكائد، لن تتوقعوا يوماً أنّ قاماتٍ فنية وأدبية، اقترفتها عن سابق إصرار ووعي، بل إن بعضهم وضعوا مخططاتٍ احتاج تطبيقها سنوات، لكنها أثمرت عن أضرارٍ بالغة، كانت سبباً بتشظّي عائلاتٍ بأكملها، وانكفاء أُناسٍ عن العمل إلى يوم مماتهم.
في النتيجة، هناك اختلافات حقيقية بين الاستماع كصديق أو طبيب أو صحفي، لكن المُشترك هو الاهتمام بما يُقال، وعليه تأتي البقية، وفي حالتنا سنحترم وعدنا بحفظ السر ولن نستغل الثقة التي تُمنح لنا، وفي الوقت نفسه ستكون لنا كلمتنا.