كومبارس المُؤسسين
ثلاثون عاماً مرّت على أدائه شخصية «زاهي أفندي» في المسلسل الشهير «أبو كامل»، إلى أن جاءت مشاركته العام الماضي في مسلسل «على صفيح ساخن»، في هذين العملين تحديداً، شاهدنا عبد الفتاح المزيّن، عدا ذلك؛ الرجلُ حقيقةً لم يكن حاضراً، فلا يمكن لعدة مَشاهد أو مشاركات بسيطة، أن تُعدَّ حضوراً فنياً، يليق بأصحاب «صح النوم» و«حمام الهنا» و«مرايا».
تغيّرت معالم الدراما السورية لا شك، وما زالت تتغيّر، لتبقى التساؤلات ذاتها قيد التداول على عموميتها، لكن ما كنا ننتبه إليه متأخرين معظم الأحيان هم الوجوه الأولى أو كما جرت العادة بتسميتهم «جيل المُؤسسين»، من كانت أدوارهم وأجورهم تنخفض مع التقدم في العمر، والحق أن بعضهم مُني بما هو أكثر جحوداً، لا عروض ولا اهتمام ولا حتى مجرّد اتصال هاتفي بهم، ومن المفارقة أن هذا الأسلوب يشمل الجهات والأفراد.
يعتب المزيّن في لقاء أُجري معه قبل فترة على زملائه، فخلال 53 عاماً من عمله كممثل لم يسمع رأياً إيجابياً أو سلبياً بشخصية قدّمها من زميلٍ فنان، في حين إنه لم يكن يتردد في الاتصال بأيّ ممثلٍ أحبّ أداءَه، ولا يكتفي المزيّن بالثناء كما لو أنه مجاملة أو إطراء، بل يشرح ما الذي أعجبه وأثار اهتمامه بالتفصيل.
يصف الفنان ما سبق بـ«خيبة أملٍ اعتادها في وسطٍ لا يعرف الوفاء». هل فكرّ الراحلون: نجاح حفيظ وهالة حسني وتوفيق العشا بالطريقة ذاتها؟، لماذا غاب هؤلاء وغيرهم عن الشاشة، ولماذا تحولوا إلى «كومبارس» في الأعمال القليلة التي ظهروا فيها في سنوات حياتهم الأخيرة؟، كأنهم يُحالون إلى تقاعدٍ إجباري بتجاهلهم وإقصائهم، ثم يأتي من يتحدث عن جنازاتهم مُستغرباً تواضعها، ومُتناسياً أنّ «ترحيلهم» جرى منذ زمن.
ما يحكيه المزيّن، ينسحب على زميله الفنان هاني شاهين الذي يعتذر عادةً عن الأدوار التي تُقدم إليه مادامت لن تضيف لما قدمه بل ربما تفعل العكس، يقولها صراحة في حديثه لبرنامج «المختار»: أنا مستعد للعمل «ببلاش» ولا أبحث عن المال، لكن لا أريد الشعور أنه لم يبقَ لي قيمة أو إنني غير قادر على العمل!.
نعود لنقول: صناعة الدراما تخضع للسوق والطلب، ربما ينسحب هذا على «قيمها» أيضاً!.