الحِرف التراثية الدمشقية ضحية إضافية للحرب وخطر نسبها لبلدان أخرى يتضاعف
تكافح بعض الِحرف التراثية الدمشقية لمواجهة شبح الاندثار على أكثر من جبهة، حيث تعاني نتاج حرب إرهابية استمرت ما يقارب عشر سنوات بالتزامن مع هجرة الحرفيين المهرة، ونقص في المواد الأولية والمحروقات، إضافة إلى انصراف الإقبال على بعضها بعد توافر بدائل تكنولوجية، في وقت تعاظمت فيه المخاوف من نسب هذه الحرف للغير في بلدان الهجرة المختلفة .
وترتبط هذه الحرف العريقة بدمشق وتحتل الصدارة عالمياً من حيث جماليتها ودقة تصنيعها، والسحر الخاص الذي تتمتع به بشهادة شيوخ الكار الذين يدقون ناقوس الخطر بانتظار آليات حقيقية رسمية تحمي هذا التراث العريق وتجنبه المخاطر المحيطة به.
وفي حديث خاص لـ«تشرين» حذر عدنان تنبكجي- شيخ كار في الفنون التشكيلية والنحاسية وأمين سر هيئة مدربي حاضنة دمر المركزية للفنون الحرفية – من اتجاه بعض الدول لنسب حرف تراثية دمشقية إليها، مؤكداً أن الخوف الأكبر على هذه الحرف يدور حول هذه النقطة وليس الاندثار فقط ، لافتاً إلى الإغراءات الكبيرة التي يحصل عليها الحرفي خارجياً والتي شجعت معظمهم على الهجرة، إضافة إلى الظروف الصعبة التي خلّفتها الحرب على بلدنا والتي أثقلت كاهل الحرفيين .
وقال تنبكجي: يوجد كثير من الحرف اندثرت، بعضها كصناعة القباقيب لعدم الطلب عليها، وبعضها بسبب ارتفاع الأسعار ونقص الطلب الداخلي مثل البروكار والعجمي اللذين أصبحا في دائرة المخاوف، حيث يسجلان أثماناً مرتفعة، وكذلك القيشاني الذي تقلص عدد الحرفيين العاملين به إلى درجة كبيرة جداً، وأيضاً النفخ على الزجاج الذي يحتاج أفراناً متقدة بدرجة حرارة مرتفعة وليس بمقدور الحرفي تأمين مستلزمات الطاقة بشكل دائم .
وأضاف: تحتاج هذه الحرف إلى دعم أكبر وتأمين مواد أولية ومخصصات وقود وغاز للآلات الحرفية وأماكن معفاة من التقنين الكهربائي، وكذلك إلى سوق لتصريف المنتجات، منبهاً إلى ضرورة العمل على حواضن حرفية متتالية في كل المحافظات تابعة للمركزية، وتشجيع الحرفيين بحوافز وجوائز عينية.
وأشار إلى أن التعويل كان على الأسواق الخارجية والمعارض، غير أن العقوبات الجائرة على بلدنا أدت إلى انعدام هذه المشاركات التي تعدّ العنصر الأساسي في ترويج الحرف التراثية، لكن في مقابل الوضع القاسي لهذه الحرف التقليدية يرى تنبكجي أن هناك جهوداً تبذل لإعادة توطين الحرفيين، معطياً بارقة أمل بقدرة هذه الحرف وحرفييها على إعادة إنتاج أنفسهم بحلةٍ جديدة معاصرة تضمن استمرارية هذه الحرف العريقة .
وقال تنبكجي: صحيح أن هناك حرفاً مهددة بالاندثار، لكن أيضاً هناك حرف تولدت من جديد وهي دمج حرفتين أو أكثر مع بعضهما بعضاً بصورة معاصرة مع الحفاظ على البصمات التراثية مثل تنزيل الصدف على النحاس أو تشكيل لوحات بخيوط نحاسية واستخدام مادة «الأيبوكسي» على الرخام أو الخشب، كما هو معمول حالياً في حاضنة دمر .
وتشتهر دمشق وريفها بسلسلة واسعة من الحرف التقليدية منها النحاس بأنواعه وتنزيل الفضة أو الذهب على النحاس، إضافة إلى الأنواع المتعددة من الأقمشة والنسيج اليدوي والبروكار والأغباني والصايا والصدف والخشب والموزاييك وتصنيع الآلات الموسيقية وخاصة العود الدمشقي والنولا والبسط والأحذية والحقائب وغيرها.