يَنقصهم التهذيب!

يَنقصهم التهذيب، أولئك الذين «يُبحلقون» سريعاً في أجسادنا، ويُطلقون أوصافاً فيها من المَهانة الكثير. الكلام هنا لا يعني أصحاب الوزن الزائد، كما درجت العادة، لأن المقصودين هذه المرة، هم الأقل وزناً أو كما في التوصيف الطبي «من يعانون النحافة»، ويمكن لنا أن نشمل أيضاً «قصار القامة» أو «أصحاب الأحجام الصغيرة»، فعلى ما يبدو هناك اتفاقٌ عام على أن مكانة أحدهم تأتي من مقاس ملابسه، وعلى ذلك كلما كان الجسد ممشوقاً وممتلئاً، كانت ردة فعل الآخرين وانطباعاتهم، المُعلنة وغير المُعلنة، أكثر إيجابية، وبطبيعة الحال المقاسات الصغيرة تعني قبولاً أقل وتوقعاتٍ أدنى وألفاظاً ساخرة.
تمتد الأحكام السطحية إلى كل مكان، في المواصلات العامة، سيضعون أكياساً وحقائب بجانبك أو بشكل دقيق «فوقك» لأن حجمك صغير، وفي أيامنا هذه ستجد راكباً آخر يشاركك مقعدك، وفي الأسواق يقول لك بائعٌ خفيف الدم: «مقاسك يتوفر فقط في محال الأطفال»، وفي الأعياد والمناسبات سينصحك المقرّبون بتناول الفيتامينات وفواتح الشهية، وفي تطبيقات «الواتساب» و«فيسبوك» سيرسل لك الأصدقاء روابط ووصفات على مبدأ «نصائح لزيادة الوزن» و«عدد السعرات الحرارية التي تلزمك في اليوم»، في حين أن قليلي التهذيب سيسألونك «متى تناولت الطعام آخر مرة؟»، أو «لا شك بأنك لم تتناول اللحم منذ عام»، وبعبارة غير لائقة «لازمك نفخ»!.
يظن البعض، وهم على خطأ، بأنّ التعليقات التي تُوجّه لذوي الأجساد النحيلة غير مؤذية إذا ما قيست بنظيرتها المُوجهة لذوي الوزن الزائد، مادامت مقاييس الجمال الجاهزة تُدين «البدين/ة» لا الآخر، وتُبارك تجارب الناجحين بفقدان الوزن والتخلص من الدهون ونسب الكوليسترول المرتفعة، لكن في الحقيقة، الأمران سيّان، لأن مجرّد الحكم على صورة إنسان بطريقة سلبية، يعني إلحاق الضرر به، فكيف إذا كانت تلك التعليقات والتوصيفات تنطوي على «التقليل» و«التصغير» و«الاستهزاء»، وتُوهم متلقيها بأنه يجب أن يعمل على تحسين شكله وإصلاح الأخطاء التي اقترفها بوصفه «نحيفاً»، وبالطبع الأمر يصبح بشعاً فيما لو اقترنت الأحكام بمهنٍ معينة على مبدأ «كيف سيفوز محامٍ نحيف أو قصير بقضية ما وهو يحتاج من يُدافع عنه»!.
عليهم أن يكونوا أكثر تهذيباً، بالتأكيد، لكن هل سيتوقفون يوماً عن الإهانة؟ على الأرجح لا، لنأخذ كلامهم إذن على سبيل «العابر» ونبتسم أمام المرآة لصورنا وأشكالنا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار