غبنٌ جديد يطول«حكمت محسن»
يُؤكد الحادثة التالية كتابان، الأول للباحث الموسيقي أحمد بوبس “حكمت محسن..رائد الدراما الإذاعية”، والثاني للقاص محمد عزوز “راحلون في الذاكرة”، وفي مضمونها: إن الإدارة في إذاعة دمشق، عاقبت الراحل حكمت محسن بخصم 10% من راتبه بسبب تأخّره خمس دقائق عن الدوام الرسمي، وحين علم عميد الأدب الشعبي السوري بالأمر، ذهب إلى رئيس الدائرة واستلم كتاب عقوبته، لم يقل شيئاً لكنه نظر إليه ملياً ثم غادر مكتبه، ولم يعد للكتابة بعدها.
هذا الغبن ينسحب على تجاهل ذكرى رحيله في 19 من الشهر الجاري عام 1968، ولا يبتعد أيضاً عمّا طاله من إساءات ودسائس خلال مشواره الفني، فحين ظهرت ميوله الفنية كان الناس ينظرون بتوجس إلى مهنة المشخصاتي، وعندما أسس فرقة تمثيلية، حاربه زملاؤه، ولمّا حاول أن يؤسس لمشروع مسرحٍ شعبي، كانت النخبة المثقفة آنذاك تريد مسرحاً كلاسيكياً فأعاقته.
استطاع القاص الشعبي تفادي كل ما سبق بلا يأس باحثاً عن مؤسساتٍ واتجاهاتٍ فنية أخرى، إلى أن أصبح علَماً في التأليف والتمثيل، في الإذاعة والمسرح والتلفزيون، يكفي أن يُذكر اسمه لتتزاحم العناوين والأسماء والتجارب، في مقدمتها شراكته مع شخصياتٍ ساهم في توظيفها بشكل مدروس ومن ثم شهرتها وانتشارها، منها “أم كامل”، “أبو فهمي”، “أبو رشدي”، “أبو صياح”، وإن كانت بعض المصادر تقول إنه “ابتكرها”.
تعددت إنتاجاته في المونولجات والتمثيليات الناقدة، إضافة إلى موهبته في كتابة الزجل والفواصل الفكاهية والمسرحيات عدا نتاجات كثيرة للتلفزيون منها “مذكرات حرامي” مع المخرج الراحل علاء الدين كوكش، سبق أن قدمه في الإذاعة، وفيه يستند إلى لقاءات جمعته بشخصٍ سُميّ “شيخ الحرامية”، لم يجد حرجاً في صداقتهما، مادامت ستمده بأفكار وحكايات مأخوذة من يوميات الناس وأسرار بيوتهم، وغير بعيدٍ عن ذلك، تأتي مسرحيته “صابر أفندي” لتحكي عن العلاقات الاجتماعية القائمة على النفاق والتزلّف.
الإخلاص لكل ما هو مُعاش جعل محسن قريباً من العامة، أكثر فهماً لها فيما تحب وتتحفظ وتُباهي، لهذا جاء انتقاده لسلوكياتها مُحبباً ومُتقبَلاً بما فيه من قسوة ومواجهة، كما لم يكن هذا التوجه مبرراً للسذاجة أو البذاءة أو الاستسهال، يصح أن نتعلّم من حكمت محسن بعد عقودٍ من الزمن، ونحاورَ هؤلاء بدل الإملاء عليهم وتقديم ما لا يعنيهم.