هي أشياء لا تُشترى!

هل تحب لغة المثقفين؟! أقصد عندما تكون الكلمات أقوى من كل الأسلحة.. كلمات تقول لك افعل ولا تفعل.. وأنت تسير وراءها كأنها خريطة الكنز تريد أن تصل، لكن الخريطة وصلت إلى الشاطىء في يوم عاصف في زجاجة، وأخرجتها لتجد فيها رموزاً وأشكالاً وأساطير تشير إلى الكنز المفقود في جزيرة ما في بحر ما!
وكأنك تبحث عن الثقب الأسود.. ثمة مثقفون استطاعوا اكتشاف الثقب الأسود في الحالة الثقافية العربية في بضع سنين، في حين لم يلحظ وجوده الكثيرون.. لعل السبب أنهم يعيشون داخله بينما من يحب الفضول يدخل إلى المثلث الأسود ويختار أن يسكن في المقابر بدلاً من الإقامة في الفنادق الخمس نجوم واليخوت والعوامات، وطبعاً لم يسلم هؤلاء رغم سياحتهم الثقافية من تهم عبثية موجهة لهم.؟
ولعل المفاجأة الحقيقية أن المثقف المتهم بالغياب عن محيطه ما هو في الحقيقة إلا منفي، باختياره أو رغماً عنه في زنزانة الثقافة التاريخية، ما يؤكد أن الثقافة ليست هواية أو ترصيعاً للكلمات.. إنها حالة وجدانية يتفاعل معها المرء مع ما يجري من خلال رؤية روحية وإنسانية بحتة، والصدق والشفافية هما مقدار هذا النقاء من عدمه في الوصول للحالة الثقافية الحق.
لذلك نجد أن من يحاول أن يرسم صورة متسعة لسؤال الثقافة، ويتوقف أحياناً عند نصوصٍ بعينها تعكس مفاهيم عميقة في سؤال الثقافة والموروث، غير أن النصوص المستدعاة ليست سوى جزء من خريطة تربط مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية بمرجعياتها «الإيديولوجية»، ليقرأ الثقافة في زنزانتها التاريخية، غير أن المثقف لا يكتفي بنظرةٍ اجتزائية، قدر ما يفتح سؤال الاستبداد على تاريخ العالم ليقدم نصاً ينتمي للنقد الثقافي في اتساعه.
أيضاً، لا يقدم المثقف رؤيته كناقد أو «مراقب» قدر ما يحاول، بينما يجيب عن سؤال احتل فصلاً كاملاً «لماذا الثقافة في العالم العربي تشبه الثقب الأسود تبتلع كل الأفكار والكلمات والمعاني ولا تترك إلا المديح؟»، لاشك في أن فضاء العالم العربي الرحب يقدم للمثقف تعليماً مستمراً، ما سيكتشفه في بلد لا يصلح لبلد آخر.. وشيئاً فشيئاً يتحقق الباحث الفضولي من أنه أمام ثقافة مكوّنة من مزق ذات ألوان مختلفة، وأن الكنز الذي يعيش طول العمر يبحث عنه ويجول العالم ليفك رموزه موجود تحت قدمه!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار