“المعهد العالي للفنون السينمائية” يبدأ عامه الدراسي الأول

الخطيب لـ "تشرين": دراسة السينما ليست مجالاً ترفيهياً ولا تعني مُخرِجاً ناجحاً

يُفضّلُ عميد المعهد العالي للفنون السينمائية المخرج باسل الخطيب التريث في الإعلان عن أسماء الاختصاصيين والسينمائيين الذين سيتولون مهمة التدريس في السنة الأولى للمعهد، فهؤلاء على حد وصفه “قِلّة”، كما يجب أن يتفرغوا للالتزام مع الطلاب، وهذا شرطٌ يجعل مهمة العثور عليهم شاقّة، ومع ذلك إن عدداً من الأسماء أكدت موافقتها.
وعلى ما يؤكده الخطيب، يُفترض أن يبدأ العام الدراسي في المعهد بتاريخ 21 من الشهر الجاري، بعد صدور قانون بإحداثه في شباط الماضي من هذا العام، هذه الرغبة بانطلاقة سريعة للمعهد، لم تُحلّ دون سير الأمور بالشكل المطلوب، شروطٌ ومواعيد للتقدم، امتحانٌ كتابي ومقابلة شفهية، وإن كان الخطيب يُؤمن بأن مشوار السينمائي الناجح لا يبدأ بمجرّد قبوله طالباً في المعهد العالي للفنون السينمائية، ولا ينتهي مع عدم قبوله.
عن التفاصيل الخاصة بالمعهد، وتكليفه عميداً، وبعض الشؤون السينمائية، التقت “تشرين” المخرج باسل الخطيب، وكان هذا الحوار، إليكم التفاصيل..
• معروفٌ أن المؤسسة العامة للسينما أطلقت “دبلوم العلوم السينمائية وفنونها” منذ أعوام إلى جانب مشروعها لدعم سينما الشباب بالتجهيزات والمعدات، فما مدى الحاجة لجهة أكاديمية؟
لستُ بمعرض تقييم تجربة الدبلوم، كنتُ مدرِّساً فيه ثم انسحبت. بالعموم لا يمكن مقارنة التجربتين، الدبلوم يقدم معارف معينة خلال سنة واحدة، لكن المعهد العالي سيقدم دراسة أكاديمية تخصصية بشكل متكامل احترافي. لطالما تمنينا أن تتوافر دراسة أكاديمية للسينما والدراما في سورية أسوةً بالمسرح، تالياً المعهد سيتيح الفرصة لعدد كبير من المواهب الشابة لتجدَ مكاناً مناسباً تصقل فيه موهبتها وتكتسب المعارف والمهارات المطلوبة التي ستمكنها مستقبلاً من دخول سوق العمل والإنتاج والإبداع السينمائي والتلفزيوني على حد سواء. نحن نبني معهداً للسينما خطوةً خطوة، ووزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح تقدّم الدعم المطلوب ليقلع المعهد بالشكل الذي نطمح إليه حالياً، بالطبع طموحاتنا المستقبلية أكبر وسنصل إلى المطلوب.
• هل ستنعكس الدراسة الأكاديمية المحليّة بما فيها من منهاج وكوادر وإعداد على المُنتج السينمائي السوري لاحقاً؟
مهمة المعهد محددة ببعض الأمور الأساسية أهمها تقديم المعارف والمهارات المطلوبة للشباب السينمائيين، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أنه لا أحد يستطيع أن يصنع من الطالب أو الشغوف بالسينما، مُخرجاً سينمائياً مهماً. أذكر أول درس حضرتُه في الإخراج السينمائي، يومَ كنت طالباً في معهد السينما في موسكو، حين دخل علينا أستاذ المادة وقال لنا :”نحن لا نستطيع أن نصنع منكم مخرجين، أنتم ستجعلون أنفسكم كذلك، نحن نقدم لكم كل الشروط المناسبة لتمشوا خطواتكم الأولى على طريق الإخراج”. إذاً، المخرج بالإضافة إلى الدراسة الأكاديمية يحتاج اجتهاداً شخصياً، يجب أن يعيش حالة شغف وقلق دائمين ليقدم مُنتجاً مختلفاً ومتميزاً، سنقدم له معلومات وخبرات تكتمل مع طموحه وموهبته، غياب هذه العناصر لن يؤدي إلى نتيجة مقبولة.
• ما الذي تعنيه تبعيةُ المعهد لوزارة الثقافة وليس إلى وزارة التعليم العالي؟
بالتأكيد هناك تكامل بين وزارتي الثقافة والتعليم العالي، لكن كوننا نتحدث عن تخصصات لها طابع إبداعي وثقافي وفني فمن الأصح برأيي التبعية لوزارة الثقافة باعتبارها معنيةً بالشأن والإنتاج السينمائي. المعهد سيرفد نشاط الوزارة في هذا المجال.
• في البداية كان مطلوباً ألّا يتجاوز المتقدم للمعهد عمراً محدداً لكن هذا أُلغِي فيما بعد، ما السبب؟
ارتأى مجلس إدارة المعهد الاستغناء عن شرط العمر في التقدم للدراسة لكونها السنة الأولى التأسيسية وهناك الكثير من المتحمسين لدراسة السينما. تلقيتُ رسائل من شباب حصلوا على الشهادة الثانوية والتحقوا بالخدمة العسكرية منذ 9 أو 10 سنوات، هؤلاء سيخسرون فرصة التقدم لأنهم تجاوزوا العمر المحدد، وسنكون مقصرين تجاه مجموعة كبيرة من الشباب تستحق وقوفنا إلى جانبها، أيضاً البعض بلغوا الأربعين ولم يتمكنوا من تحقيق حلمهم بالدراسة، لذلك أُلغي شرط العمر فقط في هذه السنة التأسيسية.
• ماذا عن الامتحان الكتابي في مسابقة المعهد، ما هو معيار النجاح المطلوب؟

الاختبار الكتابي تضمن أسئلة عن الثقافة العامة والثقافة السينمائية العامة أيضاً، يفترض أن يُلمّ الراغب بدراسة السينما بمعلومات معينة، علماً أننا حرصنا على توافر المرونة بما يتعلق بعلامة النجاح حتى نعطي فرصة لمن لم يستطع الإجابة عن كل ما هو مطلوب، بحيث نتيح له التقدم للمقابلة الشفهية، والتي كنّا فيها أكثر صرامة، تفهمنا وضع المرتبك والخائف، وقدمنا للطلاب الوقت اللازم ليقدموا ما لديهم، وفي المحصلة اجتاز عددٌ كبيرٌ الاختبار الكتابي بتفوق حتى إن عددهم تجاوز ما كنا حددناه سابقاً بالنسبة لقسم الإخراج، ليصل العدد إلى 30 طالباً وطالبة، فيما وصل عدد المقبولين في قسم السيناريو والنقد إلى 14 طالباً وطالبة. وأقول لمن لم ينجحوا إن رحلة الإخراج لا تبدأ ولا تنتهي بالقبول أو عدمه في المعهد، الإخراج رحلة حياة وبحث ودراسة وتعب، يجب أن يدرك الطلاب بأن دراسة الإخراج السينمائي ليست مجالاً ترفيهياً، البعض يُفكر بالأمر من زاوية الشهرة والمال فقط ولا يُدرك بأنها مهنة مُتعبة فيها الكثير من الإحباط، فيها صراعٌ مع الحياة.
• من هم أعضاء اللجنة التي قابلت الطلاب، هل كانوا من اختيارك أم من اختيار الوزارة؟
تقدمت بمقترح إلى وزيرة الثقافة يتضمن أسماء الأعضاء ووافقتْ عليه، حاولتُ أن يكونوا من أصحاب التجارب الغنية، والأهم أنهم متعددو الاختصاصات، منهم المخرج القدير نجدة أنزور، الناقد والسينمائي العتيق محمود عبد الواحد، الموسيقي سمير كويفاتي، مدير عام المؤسسة العامة للسينما مراد شاهين، تاريخُ كل منهم يشهد له، وكنت رئيساً للجنة، أرى أنهم أدّوا عملهم بمنتهى الكفاءة والنزاهة.
• أنتَ اليوم أوّل عميدٍ لأوّل معهد أكاديمي سينمائي في سورية، هل ترى هذا تتويجاً لسنوات من العمل أم هي محطة ضمن محطات أخرى مرّت وستأتي؟
لكل مرحلة في حياتي أولويات، حين عُرضَ عليّ استلام عمادة المعهد بما يتطلب التأسيس من منهاج وكوادر وما إلى ذلك، فكرت كثيراً وأدركت أن الضريبة ستكون ابتعادي عن عملي الذي أحبه، لكنني رأيت أنه من واجبي بعد التجارب التي خضتها، أن أضع خلاصة تجربتي بين أيدي الطلاب، هذا استغرق مني وقتاً وجهداً على حساب مسؤوليات والتزامات أخرى، اعتذرتُ مؤخراً عن مسلسل وعن فعاليات لتكريمي خارج سورية، فضلت إعطاء الأولوية للمعهد. أيضاً هناك فائدة شخصية، شعرت أني عدت طالباً من جديد، جددت معلوماتي وأفكاري، وربما أخرج بتصورات جديدة، لنقل إنها مرحلة سأقدم فيها المطلوب مني مع متابعة عملي في الإخراج.
• إضافة إلى المهام المنوطة بك كعميد، هل ستخوض تجربة التدريس أيضاً؟
أجل، أنا رئيس قسم الإخراج، سأدرّس خلال السنة الأولى مادة الإخراج السينمائي إلى جانب زملاء آخرين، للاستفادة من تجاربهم، فيما يرأس الكاتب أيهم عرسان قسم السيناريو والنقد.
• هل يمكن الحديث اليوم عن “سينما النخبة” وسينما “شباك التذاكر”، هل تخضع السينما السورية لهذه التصنيفات؟
هذه المفاهيم ملتبسة، يصعب العثور على توصيف واضحٍ ومحددٍ لها، لا أريد الحديث عن تجارب غيري، سأتكلّم عن تجربتي، في فترةٍ ما قيل إن أفلامي نخبوية، لكن الوقائع على الأرض تقول شيئاً آخر، فخلال عرض تلك الأفلام في سورية وخارجها، استقطبت عدداً كبيراً من الجمهور، حتى إن فيلم “دمشق حلب” حقّقَ أعلى إيراداتٍ في تاريخ السينما السورية، وكان أول فيلم سوري من حوالي 30 سنة وأكثر، يعرض في دور سينما عربية، في الخليج ولبنان والأردن ومصر، كما أُقيم لي في أستراليا وعلى مدى عامين “أسبوعيّ المخرج باسل الخطيب” في سيدني وملبورن، عُرِضَتْ فيها 7 أفلام لي، معظمها تتحدث عن الحرب على سورية في السنوات العشر الأخيرة وتحمل الخطاب الوطني الذي ندافع عنه ونعرفه. السينما سلاحٌ جبار إذا عرفنا توظيفه كما يجب فهو قادر على إحداث تأثير بغض النظر المسميات والتصنيفات، في المقابل يجب ألّا نتوهم بأن أيّ عملٍ فني سيحظى بإعجاب الجميع، ومن المطلوب والطبيعي إثارة حالة من النقاش والجدل.
• ما رأيك بما يتردد عن دعم المؤسسة العامة للسينما لمجموعة أسماء على حساب أخرى أقل شهرةً وتجربة؟
أعرف تماماً أن أبواب المؤسسة مفتوحة أمام الجميع، لكن في النهاية قلائلٌ مَنْ يأتون إلى المؤسسة ويضعون لديها نصّاً يستغرق تنفيذه 7 أشهر أو أكثر مقابل مكافأة مالية رمزية، الأغلبية تتجه نحو عمل درامي تلفزيوني ينالون عليه أضعاف ما تقدمه المؤسسة. الأسماء المقصودة لها تجربتها، ووجودهم لا يلغي وجود الآخرين، وأعرف أن مراد شاهين مدير عام مؤسسة السينما، يتواصل مع كتّابٍ ومخرجين لتوسيع دائرة التعاون.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار