أصلحوا موازين الأسواق
بعد أن أصبح التسوق والنزول إلى الأسواق أشبه بعقاب للمشترين الذين ينظرون بأعينهم فيجدون كل شيء متوفراً وموجوداً ويدخلون أيديهم الى جيوبهم فيشعرون بمرارة الحسرة وأنهم لا يملكون ثمن شراء إلا النزر اليسير الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، فالخلل الأول والأهم في ميزان الأسواق ما بين الأسعار والدخل المحدود؟!
وعندما يكون الخلل بالميزان فلن تجدي القرارات الارتجالية نفعاً مع التجار ولا مع المواطن والتجربة خير برهان لا بأس أن نحاول ونعمل لكن في وقت ما ونظنه قد حان لابد من وجود تنفيذ لاستراتيجية فاعلة نوضح فيها سياسة التسعير التي نتبناها ونحولها إلى خطة عمل وبرنامج.
إن ضبط الأسواق يبدأ من التشريع والقانون، فموضوع التسعير ليس محل رأي تاجر أو وجهة نظر مراقب تمويني أو آلية للمساومة، إنه سوق كبير يضم مختلف الشرائح ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار تنظيم السوق وضبطه بالقانون من دون أي استثناء أو مراوغة ونعول على قانون «تنظيم الأسواق» وليس قانون العقوبات لأن المطلوب تحقيق العدالة للجميع وليس محاربة أو عداوة أي طرف، فالتاجر والحكومة والمواطن هم طرف واحد وليسوا عدة أطراف والعدالة تحقق مصالح الجميع، لكن دخول الطمع والجشع والفساد يقلب الموازين ويجعل طرفاً ما رابحاً على حساب الأطراف الأخرى.
يعتقد البعض أن الهدف من التشريعات هو تقييد الحقوق، لكن الحقيقة أن الهدف هو التنظيم ووضع لائحات ومؤشرات للوقاية من الوقوع بالخطأ، ولا نريد لأي فرد أو مؤسسة أن تصل إلى مرحلة التلبس بالجرم أو المخالفة.. وبعيداً عن لهجة التهديد والوعيد نحتاج إلى إجراءات فاعلة بالسوق.
ولا يزال على سبيل المثال موضوع تسعير الأغذية الأساسية كالألبان والأجبان والبيض واللحوم والخضار والفواكه وحتى الحشائش مثاراً للجدل وما بين أخذ ورد والأسعار متفاوتة من سوق إلى آخر وحتى من دكان إلى آخر في السوق نفسه والمواصفات نفسها، ولا يمكن أن نتخيل أن المؤسسة السورية للتجارة ستقوم بإجراء فعال لتخفيض الأسعار لأن ما تقدمه من عروض ليتر زيت واحد أو أربعة كيلوغرامات من السكر كل شهر بأسعار أقل بنسبة لا تتراوح ما بين 10 و20 % سيكون فاعلاً لاسيما أن الكميات غير كافية، وبالتالي فإن المواطن مجبر على التوجه إلى الأسواق لتأمين الضروريات، أما بالنسبة للألبسة فالأسعار مقارنة بالدخل وأصحاب الدخول المحدودة تكاد تكون ضرباً من الخيال فكيف يمكن استيعاب أن يكون ثمن بيجامة عادية وليست رياضية أكثر من راتب شهر كامل؟! رغم أن القاصي والداني يعلم أن الأرباح تصل إلى ثلاثمئة بالمئة! ولدينا حلول واقتراحات أحدها مثلاً أن تقوم الجهات المعنية والمشرفة على شركة “وسيم” للألبسة الجاهزة ولديها ما تحتاجه من أدوات برفد الشركة بمصممين لديهم الكفاءة والخبرة، إضافة إلى تحفيز العاملين بالمكافآت المجزية وتصنيع ملابس للصغار والكبار بهامش ربح يحقق استثماراً ناجعاً للشركة وبمنتج يليق بذوق المواطن وبسمعة الإنتاج السوري وينافس المنتج العالمي وليس الإقليمي فقط.
ولا ندري هل من الصعوبة بمكان أن ننتج بمواصفات وجودة عالمية؟ إذا كان هناك مشكلة فإنها حتماً في الموازين المختلة وليست عيباً بالمنتج السوري.. والقصة تبدأ وتنتهي من الميزان.